قد دخلت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالخصوص جميع البيوت.. تشتمل كلها على سموم قاتلة تستهلك النفوس وتستعبدها.. فعلى خطبائنا الأجلاء تحذير المجتمع من هذه المسلسلات بطرق دينية ممهدة
أكد سماحة الشيخ علي النجفي الأمين العام لمؤسسة سماحة المرجع (دام ظله) ـ في المؤتمر التاسع عشر للمبلغين والمبلغات لمؤسسة شهيد المحراب وبحضور عدد من ممثلي المراجع الدينية وعدد من رجال الدين ـ أن على الدولة العراقية أن ترعى مصالح الشعب العراقي المظلوم الذي مازال يعاني من ويلات الفساد بمختلف صنوفه، ومؤكداً على أهمية أن يأخذ المبلغون دورهم في توجيه الشارع العراقي من سوم الفضائيات المغرضة والتي تستعد في كل موسم رمضاني بهجماتها وفق أجندات معده مسبقاً، هذا وكانت لكلمة عدة إشارات في هذا الصدد لنقل إرشادات سماحة المرجع (دام ظله) إلى أبنائه المبلغين، فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها عن مكتب سماحة المرجع (دام ظله):
كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي(دام ظله) إلى المبلغين والخطباء لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي بعث في الأميّين رسولاً منهم، ليكون للعالمين نذيراً، والصلاة والسلام على حامل الشريعة الغراء إلى البرية جمعاء، وعلى آله الغر الميامين، الأمناء على الحنيفية والمحافظين على دينه واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله سبحانه: )لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ( صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
إنّ أولى النعم التي يجب الشكر عليها هي نعمة دين الإسلام، حيث كان مجيئه إتماماً للحجة وإنقاذاًً للبشرية من ظلمات الجهل وحيرة الضلالة, وهادياً إلى الصراط المستقيم ينتزع البشرية مما دفعها الشيطان إليه من عبادة الأصنام والأوثان والخضوع للشمس والقمر وكانت ظلمة الجهل مهيمنة على الشرق والغرب رغم ما كان بعض الشعوب يعيش بعضاً من التقدم العلمي البسيط في حينه، وكثيراً ما نغفل عما مَنّ الله به علينا من نعمة الإسلام. ويتخيل البعض غفلةً أن تكاليفه الواجبات والالزامات الدينية قيود تمنع من انطلاقة البشر إلى نيل مآربه وتحقيق أهدافه. ولكن الله سبحانه نبهنا على خطأ هذا التخيل وأكد بتعبيرات مختلفة على أن الإسلام، نعمة جاء لرفع مستوى البشرية وإخراجها من الحضيض الذي دفع إليه بفعل الشيطان مستعيناً بالنفس الأمّارة بالسوء فقد قال الله سبحانه: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً(، وقال: )وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(، واعتبرت الآية التي جعلناها عنواناً للكلمة بعثة النبي منّة وإحساناً بقول مطلق، وهكذا يجد الباحث آيات تؤكد هذا المعنى.
أيها الإخوة حملة الدين ومبلغو أحكام الشريعة إلى الأنام، نحن مقدمون على شهر رمضان المبارك شهر الطاعة وشهر العبادة وشهر العود إلى الله سبحانه أعد الله هذا الشهر ليعيننا على التخلص من قيود أهواء النفس لنحظى بالوقوف أمام الله سبحانه، كضيوف على رحمته دعانا إلى ضيافته إحساناً منه ومنّة علينا، فيجب علينا جميعاً أن نشعر الناس بأن الطاعات كلها بما فيها الصوم إنّما هي نعمة ومنّة علينا جميعاً، فالوقوف بين يدي الله سبحانه ضمن أية عبادة يعتبر شرفاً وعظمة للعبد ونفس اللجوء إليه في تحقيق مطالبنا الأخروية والدنيوية من الله الذي بيده كل شيء وإليه ترجع الأمور تكريم منه لنا، وحينما يجلب الرحيم العطوف المربي الربيب إلى نفسه ويتكفل بكل حوائجه فهذا يعتبر تعظيماً منه تعالى له، وإلى هذا المعنى الشريف أشار الإمام السجاد (ع) في الدعاء الذي علمه لتلميذه: (الحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني ولم يكلني إلى الناس فيهينوني) وعلينا جميعاً التأكيد على هذا المعنى كي لا يتخيل الناس العبادات الإلزامية وغيرها ثقلاً على أنفسهم وقيداً لحريتهم، ولذلك نقل عن بعض الصالحين أنّه كان في نهاية شهر رمضان يبكي لان صديقه العزيز وحبيبه يريد أن يفارقه إلى السنة القادمة فكما أن الدنيا كلها وسيلة للفوز في الآخرة ومزرعة نحصد يوم القيامة ما زرعناه فيها كذلك الطاعات الإلهية الإلزامية وغيرها ذرائع لكسب رضا الرب والزلفى لديه، فإن الطاعات هي الوسيلة الوحيدة لإصلاح النفوس وجليها ورقيها لكي تصبح صالحة للسكنى مع أولياء الله الإبرار في جنات الخلود.
ثم نسترعي انتباهكم أيّها الأخوة إلى أمور مهمة يجب علينا الالتفات إليها بما هو مقتضى وظيفتنا كرجال دين:
الأمر الأوّل: على إخواننا الأجلاء الذين اخذوا على عاتقهم مسؤولية التبليغ والنيابة عن العلماء والمراجع في النجف الاشرف أن يمثلوا عطف المراجع على الناس ليتحسس الناس مدى الأهمية التي يوليها المراجع للناس المحرومين ولا يجوز التهاون أو التساهل في إلفات المسؤولين وتنبيههم إلى ما يجب عليهم من القيام بالواجبات ورعاية الحقوق المشروعة للناس فقد ورد أن من ولي شيئاً من أمور المسلمين فضيعهم ضيعه الله تعالى ـ العياذ بالله ـ.
الأمر الثاني : يجب تنبيه الناس إلى لزوم الاهتمام بالمظاهر الإسلامية في عموم البلاد فأن مظاهر الإفطار في الطرقات والأسواق والمطاعم والمقاهي تعتبر مظاهراً للفساد ومعارضة للدين الحنيف, فيجب تنبيه الناس إلى ذلك والأفضل أن تكون لكم جولات تفقدية في الأماكن المذكورة لتتمكنوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأمّر الثالث: قد دخلت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالخصوص جميع البيوت تقريباً وتستغل هذه الوسائل لجلب الناس إلى الأفكار التي تريديها جهات معنية لأجل أن تستولي على الناس فهناك مسلسلات يعبر عنها بالترفيهية (الكوميدية) والدرامية ومسلسلات تاريخية وتشتمل كلها على سموم قاتلة تستهلك النفوس وتستعبدها، إن تلك المسلسلات أسست لجلب الناس ولا سيما الناشئة من أولادنا وبناتنا وتدعوهم وتدعوهم إلى رفض الأخلاق الدينية وبث الفساد الخلقي والديني ومنها المسلسلات المدبلجة المشبعة بالفساد والتحلل.
فعلى خطبائنا الأجلاء تحذير المجتمع من هذه المسلسلات بطرق دينية ممهدة من قبل الرسول الأعظم والأئمة الأطهار.
الأمر الرابع: إن هناك مسلسلات تسمى دينية تحكي قصصاً دينية وتشتمل على تمثيل شخصيات دينية مقدسة كالأنبياء أو الأئمة (سلام الله عليهم) وهي إن فرض أنها تفيد المجتمع لتذكيرهم بالحوادث التي مرت على الدين وأهله إلا أنها تعمل بجد وبصورة موهومة ومشوهة لتذويب الشخصيات المقدسة، ومعلوم أن جلالة أولئك العظماء من حيث العلم وعلو الشأن إنما يدركها العلماء والقديسون, وأما أهمية هؤلاء في قلوب عامة الناس فتنبع من الهيبة التي تعيشها هذه الذوات القدسية في النفوس وهذه المسلسلات تسلب هذه الأهمية شيئاً فشيئاً من قلوب العامة ولذلك يجب تحذير الناس من تجسيد مثل هذه الشخصيات, مضافاً إلى أن كاتب القصة وواضع (السيناريو) يفتقر في سبيل خلق الارتباط بين الحوادث إلى وضع قصص خيالية لا أساس لها أصلاً ولا تمس بصلة إلى الواقع وينسب إلى المعصومين ما يخلقه من أفكاره وتخيلاته ويجعل المشاهد معتقداً بذلك، وهذا كذب على المعصوم يوجب فساد الصوم لان المشاهد يعتقد زوراً وبهتاناً وكذباً أن هذه مقولة المعصوم الفلاني، فيجب معالجة هذا الجانب من المسلسلات والأفلام الدينية بإيضاح أن ما يكتب في السيناريو هو لسان الحال فقط وليس مقولة المعصوم, وهناك مسلسل بلغنا انه سيعرض في شهر رمضان يتعلق بما دار بين الإمامين الحسن والحسين (ع) وبين معاوية بن أبي سفيان جذع الشجرة الملعونة في القرآن ويحتوي هذا المسلسل على تمويهات وتشويهات للوقائع التاريخية، محاولةً من واضعه النيل من المعصومين وغسل وجه معاوية بالقدر المستطاع. فيجب علينا تحذير الناس من هذه المسلسلات ومفاسدها.
الأمر الخامس: يجب على المسؤولين في الحكومة على مختلف مراتبهم ومناصبهم الاهتمام بالشعب العراقي المظلوم الذي مازال يئن تحت وطأة الفساد الإداري والمالي والحرمان الشامل وفقدان الخدمات والبطالة وغلاء المعيشة فهناك الزراعة الميتة وهناك الإهمال شبه الكامل للجوانب التهذيبية والتعليمية وهناك السعي المتعمد في خلق الفساد بجمع الجنسين في الصفوف الدراسيّة وكأن المراكز التعليمية وضعت لخلق الفساد في المجتمع، وبلغنا ـ ربما ـ أن البنت تجبر على كشف الوجه إن أرادت إحداهن تكملة الالتزام بالحجاب والعفة والطهارة بستر الوجه لالتزامها الديني، فأين تلك الوعود التي قطعت على أنفسهم لبث الإسلام ونشر تعاليمه في المجتمع وما زلنا تحت ذل المناهج الصدامية الفاشية وإصرار الحكومة بالمحافظة عليها وإلى الله المشتكى.
نرجو الله سبحانه أن يكون هذا الشهر الشريف مقدمة خير للشعب العراقي المظلوم الذي مازال يعاني الحرمان والتهميش ولم يذق طعم العدالة ولم يحصل على جلّ حقوقه في المجالات كافة, والسلام.