يواصل قسم الهدى التابع لمؤسسة الأنوار النَّجفيَّة للثقافة والتنمية خطواته الواثقة في بناء جيلٍ واعٍ ومتجذرٍ في القيم الإسلاميَّة والتعاليم القرآنية، من خلال برامج متكاملةٍ تُنفذ في عددٍ من أحياء ومناطق محافظة النَّجف الأشرف، وتستهدف الأطفال والناشئة من الذكور والإناث.

وتأتي هذه الأنشطة في إطار سعي المؤسسة إلى ترسيخ المبادئ الإيمانيَّة، وتعزيز ثقافة الحوار والانتماء الدينيّ، باستخدام أساليب تربويَّةٍ حديثةٍ قائمةٍ على التفاعل والمشاركة.

تفسير قرآنيٌّ مبسّط يربط الطفل بحياته اليوميَّة

أولى النشاطات التي ركّز عليها قسم الهدى هذا العام تمثّلت في تقديم تفسيرٍ مبسّطٍ لسور مختارة من القرآن الكريم بأسلوبٍ قصصيٍّ جذَّابٍ يراعي الفئة العمريَّة المستهدفة، وأوضح مسؤول القسم أنَّ السور التي جرى اختيارها كـ(الماعون، القيامة، العصر، والفيل) تمثل نموذجاً متكاملاً من القيم السلوكيَّة، كالصدق، والصبر، والتعاون، والإحسان، وقد تم استخدام أساليب حواريَّةٍ وتفاعليَّةٍ تربط مفاهيم السور بحياة الطفل اليوميَّة، كالحديث عن مساعدة الجيران، وأهمية الوقت، والتفكر في مخلوقات الله.

في كلِّ جلسةٍ يتناوب المشاركون على تلاوة السورة، ثم يبدأ المشرف في شرح المفاهيم بلغةٍ سهلةٍ، ويطرح أسئلة مفتوحة تتيح للطفل التعبير عن رأيه وتجاربه، مما يسهم في بناء ثقته بنفسه، ويُعزز مهارات التفكير والتواصل. وأشار المسؤول إلى أنَّ الأطفال أبدوا تفاعلاً كبيراً، حيث تحولت الجلسات إلى مساحاتٍ آمنةٍ للحوار والنقاش.

ويضيف المشرفون أنَّ هذه الحلقات لم تكن فقط لتلقين المعلومات، بل لتأسيس جيلٍ واعٍٍ يرى في القرآن الكريم منهج حياة، ووسيلةً لفهم الواقع وتحدياته من منظور إيماني وأخلاقي.

قصص الأنبياء وغرس القيم التَّربويَّة

في إطار ترسيخ القيم الروحيَّة وتعزيز الارتباط بسيرة الأنبياء (عليهم السلام)، خصص قسم الهدى جانباً من أنشطته لطرح قصصٍ مختارةٍ من سيرتهم العطرة، بأسلوبٍ دراميٍّ مشوّقٍ يتناسب مع عقلية الناشئة.

وقد تضمن البرنامج قصصاً لنبي الله نوح عليه السلام وثباته في دعوته رغم الاستهزاء، ونبي الله موسى عليه السلام وشجاعته أمام فرعون، ونبي الله يوسف عليه السلام وثباته أمام الفتن، وسيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في العفو والصبر على الأذى.

تم عرض القصص من خلال مشاهد تمثيليَّةٍ وألعابٍ تربويَّةٍ، إضافة إلى الحوارات المفتوحة التي ناقشت سلوكيات الأنبياء، وكيف يمكن تطبيق هذه القيم في الواقع اليومي للطفل. على سبيل المثال، تمّت مناقشة مفاهيم مثل الصبر عند التعرض للمضايقة، أو الصدق عند الوقوع في الخطأ، في ربط واضح بين التاريخ والسلوك المعاصر.

وأكَّد المشرفون أنَّ هذا الأسلوب في سرد القصص يعمّق الأثر التربويّ، ويمنح الطفل نموذجاً عملياً للسلوك القويم، ويزيد من حبّه لشخصيات الأنبياء ويشجعه على الاقتداء بهم. وقد أظهرت التجربة نتائج ملموسة من خلال التفاعل الملحو1 والمداخلات الواعية من الأطفال.

التوعية التاريخيَّة في ذكرى هدم قبور البقيع

ضمن الأنشطة ذات البُعد العقائديّ والتاريخيّ، أقام القسم محاضراتٍ خاصةً بمناسبة ذكرى هدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام)، وركّزت المحاضرات على الجانب التوعويّ من خلال شرح الحادثة بأسلوبٍ مبسّط يوضح الخلفيات العقائديّة، والأثر العاطفي والروحي الذي خلّفته هذه الجريمة في وجدان الأمة.

سعى القائمون على هذه المحاضرات إلى تعريف الناشئة بتاريخ أئمة البقيع، وسيرهم العلمية والجهادية، وأهمية وجودهم كرموزٍ للهوية الإسلاميَّة. وقد تم إعداد عروضٍ مرئيَّةٍ ومجسّماتٍ بسيطةٍ توضح شكل البقيع قبل الهدم وبعده؛ لخلق تصورٍ واقعيٍّ لدى الطفل، كما تم التركيز على مفاهيم مثل احترام المقدسات، والدفاع عن التراث، وضرورة السعي لإعادة بناء البقيع كحقٍ من حقوق المسلمين.

المحاضرات لم تقتصر على الجانب التاريخيّ فقط، بل تم التفاعل معها بأساليب حديثةٍ، عبر استخدام السرد القصصي، والأسئلة التحفيزية، ومشاركة الأطفال في رسم لوحاتٍ تعبيريَّة عن البقيع، ما عزز الشعور بالانتماء والهوية.

أنشطة متنوعة في أحياء النَّجف الأشرف

امتدت فعاليات قسم الهدى إلى عدة مناطق من محافظة النَّجف الأشرف، منها حي القدس، الجديدات، حي العسكري، حي السلام، وبعض الحسينيَّات في الأحياء الأخرى. وقد تم اختيار هذه المواقع بعناية لضمان وصول البرامج التَّربويَّة إلى أكبر عددٍ ممكن من الناشئة.

تنوّعت الأنشطة بين حلقاتٍ قرآنيَّةٍ، عروض تربويَّة، محاضرات تفاعليَّة، مسابقات ثقافيَّة، وورش تعليميَّة، حيث لاقت حضوراً واسعاً وتفاعلاً منقطع النظير من قبل الأطفال وذويهم. وأشار الأهالي إلى أهمية هذه المبادرات في ملء وقت فراغ أبنائهم بما هو نافعٌ ومثمرٌ، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الجيل الجديد في ظل تطور وسائل التكنولوجيا.

الأنشطة تم تنظيمها بالتعاون مع متطوعين ومربّين مختصين، ضمن بيئةٍ آمنةٍ ومحفّزةٍ، وفّرت مساحة للأطفال للتعلّم، اللعب، والتعبير عن ذواتهم. وقد ساهمت هذه التجربة في توطيد العلاقة بين المؤسسة والمجتمع المحلي.

تنميةٌ بشريَّةٌ وتعزيز الثقة بالنفس

إدراكاً لأهمية بناء شخصية متوازنة، أدرج قسم الهدى ضمن برامجه التَّربويَّة ورشاً ومحاضراتٍ في التنمية البشريَّة، تناولت موضوعات مثل تعزيز الثقة بالنفس، احترام الرأي، وتنمية مهارات التواصل.

وقد تم تقديم هذه المحاضرات بأسلوبٍ عمليٍّ، من خلال تمارين جماعيَّة، ومحاكاة مواقف حياتيَّة، مثل: كيف تتصرف عندما تُنتقد؟ أو كيف تعبر عن رأيك بطريقةٍ لبقة؟ كما طُلب من الأطفال اتخاذ قرارات صغيرة ضمن الورشة، لتعزيز قدرتهم على تحمّل المسؤولية.

النتائج كانت مبهرة، حيث لاحظ المشرفون تطوراً تدريجياً في أداء المشاركين، وتغيّراً واضحاً في طريقة تفاعلهم. وقد أكّد الأهالي أنّ أبناءهم أصبحوا أكثر توازناً، وأقدر على التعبير عن مشاعرهم ومواقفهم.

سفرات ترفيهية تجمع بين المتعة والقيم

لم يغفل قسم الهدى الجانب الترفيهي الذي يُعد جزءاً أساسياً في تكوين الطفل. حيث نظم القسم سفرة إلى كورنيش الكوفة لطلبته المشاركين في البرامج القرآنية والتَّربويَّة، تخللتها أنشطة ترفيهية، وألعاب جماعية، وجلسة مفتوحة مع الكادر التربوي.

في هذه الجلسة، طُرحت مواضيع أخلاقية بطريقة تفاعليَّة، كأهمية التعاون، والصدق، ومساعدة الآخرين، وتم تبادل الحوارات الهادفة مع الناشئة، ما عزز شعورهم بالارتباط بالمعلم وبالرسالة التي يحملونها.