تيمناً بالولادات الطاهرة في شهر شعبان المعظم وتزامناً مع ولادة صاحب العصر والزمان (عج)، وعملاً على نشر كل المعارف والعلوم الإسلامية والإنسانية التي من شأنها رفع المستوى العلمي والحضاري والثقافي وتُعطي الواجهة الحقيقة للتأريخ العراقي العريق، تم افتتاح مهرجان ربيع الشهادة الرابع في حياط الحرمين الشريفين بين الروضتين الحسينية والعباسية المطهرتين في كربلاء المقدسة للفترة من (2ـ10) من شهر شعبان المعظم لعام 1429، والذي شاركت به عشرات المؤسسات ودور النشر العالمية والعربية والعراقية وقد كان لِدُور النجف الأشرف الدَوّر البارز فيها ولِمؤسسة الأنوار النجفية الدور الأبرز.
هذا وأُفتتح المهرجان في أمسية ولادة سبط رسول الإنسانية الإمام الحسين الشهيد (ع) وكان لمحفله البهيج كلمةٌ ألقاها سماحة الشيخ علي النجفي نجل سماحة آية الله العظمى الشيخ بشير حسين النجفي (دام ظله)، جاء فيها:
كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير
الشيخ بشير حسين النجفي (دام ظله) بمناسبة مولد الإمام الحسين (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لدينه وله المنة والشكر على ما دعا إليه من سبيله والصلاة والسلام على من أرسله هدىً ورحمةً للعالمين ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بأذنه وسراجاً منيراً وعلى آله الهداة الأمناء على دينه والحماة لشريعته الأئمة الغر الميامين واللعنة على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى يوم الدين.
تطل علينا الأيام الشريفة من أيام شهر شعبان المعظم بما يحمل في طياته من المناسبات الشريفة التي ذكراها يُثلِج قلوب المؤمنين لأنها تْذكّرنا الفرحة التي حَظي بها قلب الرسول الأعظم (ص) وقلب سيد الأوصياء وقلب سيدة نساء العالمين الزهراء (ع)، الفرحة التي حملت في جوانحها منطلق السلسلة الطاهرة سلسلة الهداة الميامين الأئمة الطاهرين وتلك الذكرى العطرة هي مولد سبط الرسول الأعظم (ص) قرة عين البتول وثمرة فؤاد سيد الأوصياء الإمام الحسين (ع) ولم يكن مولدهُ الشريف عبارة عن مجرد طفل عزيز على والديه كأي طفل تقتضي ولادته انغمار الأبوين في بحار من الفرح والسرور وإنما كان هذا الوليد وبزوغ شمسه ليبشر النبي الأعظم (ص) بأن الله قد أنجز له وعده وبعث من يجدد شريعته ويحميها من عاديات الدهر ويحيطها بسياج من الحماية المنبعثة من عزمه وحزمه وإبائه وتحديه لكل من تُسوّل له نفسه النيل من هذه الشريعة، وكان هذا المولد شوكةً في عيون الطغاة ورمحاً في صدور العداة من سلسلةِ الشجرة الملعونة في القرآن الشجرةِ الأموية الخبيثة التي تربَّت في أحراش الشياطين وترعرعت في مزابل الكفر والشرك وسُقيت بعيون النفاق وغُرست في وادي السقيفة المشؤوم، وحينما بَلَغت هذه الشجرة الخبيثة مداها وأخذت تؤتي ثمارها وأضحت تبث شُعل النفاق من أخبث موجود في أخبث بيت، يزيد بن معاوية (لعنهما الله)، وطفحت حسيكة النفاق على أتباعه فأعلن عن محض كفره بقولته: (لعبت هاشم بالملك - فلا خبر جاء ولا وحي نزل)، وكان الله قد اعد لهذا اللعين من يجابهه بما يستحقه من التحدي والحزم والإباء والتنمر في ذات الله وفي سبيل الدين فكانت تلك الكلمة وتلك الصرخة التي أطلقها قبل بدء المعركة: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نُؤثِر طاعة اللئام على مصارع الكرام، إلا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر)، فكان هذا الإمام رمزَ الإسلام وبه خلد الدين واعتدل عوده وتماسكت وشائجه وفُسِّر به الكتاب وأُحيَّيت به السنة وخَمدت به شقائق الشياطين، فسلام الله عليه ورفع الله درجته في جوار جده الرسول الأعظم (ص) في حضيرة القدس في أحضان رحمة مليك مقتدر.
وقد ترك لنا هذا الإمام دروساً لو تمسك بها الناس لَعَمَّ العالمَ العدلُ والإنصافُ ولَفظت الأرض بخزائنها التي خلقها الله في جوفها، ولأَصبحت البشرية جمعاء في أمن وأمان وروح وريحان، ولأَكل الناس من نعم الله من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم، فان التمسك بتعاليمِهِ تجسيدٌ للدين وترسيخٌ لشريعة سيد المرسلين، وقد وعدنا الله بذلك (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
ونحن نشاهد اليوم مصائب متنوعة ومفاسد لا تُعَد ولا تُحصى قد أُحيط بها العالم كله، ومما يبعث على الإحساس بالذلة أن المناطق التي يسكنها المسلمون أشد تأثراً بهذه المفاسد، ولا أعلم اليوم قوماً يئنِ تحت وطأة اضطهاد المتكبرين وظلم الطغاة مثل المسلمين عامة وشيعة أهل البيت (ع) بالخصوص، وما ذلك إلا لابتعادنا عن منهج هذا الإمام الأبي.
فكم هو قبيح أن بلاد المسلمين هي التي تملك المنابع للثروات الطبيعية، والأراضي التي يوجد عليها المسلمون تزخر بالثروات الطائلة والخيرات التي تشكل اليوم العمود الفقري للعالم كله، والمناطق الخاضعة لكثير من الدول الكافرة خالية من هذه الخيرات كلها ومع ذلك نجد ان دعاة الكفر وحملة الضلالة هم سادة هذا العالم من حيث العلم والمعرفة والتكنولوجيا والتقدم والصناعة والتمدن، يتحكمون في دماء المسلمين وأموالهم، بل ربما في أعراضهم أيضاً، وقد إبتلي المسلمون بالإحساس بالنقص واخذ شبابنا ينظرون إلى الشرق والغرب نظرةَ العبد إلى سيده، والضعيف إلى مولاه القوي، ويكفينا في هذا الشأن نظرة بسيطة فاحصة إلى العراق وما حَلَّ به وما نعيشه اليوم وعشناه في الماضي القريب والبعيد حيث نرى أن الأراضي الزراعية قد أصبحت بوراً وبدأنا نتكفف ونَستَدِر الرزق من الدول الأخرى التي تَفرُض علينا مقاصدها السياسية فتأخذ منا ثمن تلك اللقمة البائرة وتأخذ من سياستنا وحريتنا ما لا يُقَدَّر بثمن، وقد عَمَّت البطالة مما دفع شبابنا إلى التفكير في الطرق المُلتوية بُغية الوصول إلى لقمة العيش، وهذا الشعب المظلومٌ محروم من أبسط حقوقه، ورغم ما فعله ويفعله المخلصون في الحكومة على الصعيد الأمني والسياسي لم نستطع أن نُوفِّر له حاجياته الأساسية، وما ذلك إلا نتيجة خضوع المسلمين لسياسة الطغاة وعَجْز أو تعاجز من بيده أزمة الأمور، فإلى الله المشتكى وعليه المعول في الشدة والرخاء.
ومن المفروض أن تُجَسِّد تعاليم هذا الإمام ونكشف عن مواقفه التي تمثل شريعة جده رسول الله (ص) ثم نتقدم بها إلى العالم كله فندعو الشرق والغرب إلى الإيمان به والاستفادة من تعاليمه، ونكشف للدنيا كلها ما لم تَطَّلِع عليه من الوجه المشرق وما حُجِزَ في ظلمات الجهل من أشعة نوره ومباهج هدايته، ونحن إن قَصَّرنا كنا نحن المسؤولين عن بقاء العالم في غياهب الضلالة وظلمات الانحراف.
نرجو الله سبحانه أن يُمكِنَنا من أن نَعي واجبنا تجاه أنفسنا ووطننا وتجاه العالم كله وتجاه هذا الإمام المظلوم الذي ما زالت جملة وافرة من تعاليمه زينةَ الطوامير، وما زالت كلماته تحثنا على القيام بواجبنا اتجاه دينه ودين جده اللهم أعنا على ذلك بمنك وشفاعة حبيبك الحسين (ع).
وفي الختام نقدم أطيب التهاني وأبهى التبريكات إلى الإمام المنتظر (عج) والى المسلمين عامة والى شيعته خاصة بهذه المناسبة الشريفة مولد سيد الشهداء (ع) وأخيه أبى الفضل العباس (ع).
والسلام
هذا وشارك نجل سماحة المرجع (دام ظله) الشيخ علي النجفي في افتتاح المهرجان، والذي تفقَّد ـ بدوره ـ دورَ النشر والمؤسسات المشاركة فيه، والتي كان لمؤسسة الأنوار النجفية الدور الأبرز في رَفد المهرجان، حيث أنها كانت حلقة الوصل بين الجمهور المتعطش لفكر وآراء المراجع العظام في النجف الأشرف وبين من يُعشقون، فاستَعْرَضَت المؤسسة ــ زيادةً على نشرها الكتب الإسلامية المهمة في العالم الإسلامي ــ كتبَ ومؤلفات سماحة المرجع (دام ظله)، كما اسَتعرضَت المحاضرات والحِكم والمواعظ التي ألقاها سماحة المرجع (دام ظله)، ومما زاد حضور المؤسسة هو ما تُقَدِّمه للباحثين وطلبة العلوم الدينية والجامعات من خدمات واضحة في مجال النشر الالكتروني والطباعي.