الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف بريته محمد وعلى آله الميامين واللعنة على شانئيهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى يوم الدين.
قال الله سبحانه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
أتخذ الله سبحانه العلم لعظمته وشرفه وعلو قدره مقياساً ومعياراً للفضل واستحقاق الكرامة والمنـزلة من الله سبحانه، والعلوم وإن كانت متنوعة ومختلفةِ إلّا أنّ أشرفها على الإطلاق هو علم الدين، ولذلك عُبر عن العلماء به في النصوص الشرعية بخلفاء الرسول (ص) وورثة الأنبياء (ع) والأمناء على حلالهِ وحرامه، وليس شرف العلم منحصراً على من رزقه وتحلى بتاجه وتزين بوسامه فقط، بل يعم الشرف لذريته إلى سبعة بطون أو سبعين بطناً على اختلاف الروايات.
وقد كلف الله نبيهُ موسى وصاحبه الخضر (عليهما السلام) بإقامة جدار عائد إلى طفلين كانا من أولاد عالم دين فقيه من الفقهاء، وكان بينهما وبين ذلك العالم سبعة بطون أو سبعون بطناً، وكذلك يعم شرف علم العالم آبائه فيكون سبباً لغفران ذنوب والديه وكذلك يعم شرف علمهِ المنطقة التي عاش فيها، تدرس ودرس فيها، والمحراب الذي كان يصلي فيه، ويعم شرفه من يجاور ذلك العالم وهذهِ المعاني بأبهى صورها واشرف مباهجها ثابتة للحلة الفيحاء، التي كانت حوزة علمية تخرج منها فطاحل في العلوم الدينية، وهناك كثير من علماء الدين ترعرعوا ونشئوا في أحضان الحلة، الذين مازالت وجوههم تلمع كالشمس الضاحية تنير دروب السائرين في طريق العلم والفقاهة، ومن أولئك الأبطال شيخ الفقهاء وعلم الأمة وطود العلم والتحقيق المحقق الأول أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي (رضوان الله تعالى عليه)، وأسكب شأبيب رحمته على تربته، وهو أول من لقب بالمحقق في تأريخ الفقه الجعفري، وفضل (رضوان الله عليه) بأن ربى مثل العلامة الحلي (رض) وزملائه، وكان (رض) مناراً للتقوى ومعلماً للنفوس ومربياً للعلماء، فهنيئاً للحلة هذا الفخر، أرجو الله سبحانه أن يرفع درجات المرحوم ويعيد إلى الحلة ذلك النشاط (نشاط علم الدين) في الإطار الحوزوي ليسترجع شبابها في هذا المجال، وهو مرهون بجهود أهلها من جهة والعطف الإلهي من جهة أخرى، ولا قصور في رحمة الله سبحانه وتعالى، فأنها قريبة من المحسنين. والسلام.