ألقى سماحة الشيخ علي النجفي (زيد عزه) الأمين العام لمؤسسة الأنوار النجفية كلمة مكتب سماحة المرجع (دام ظله) بمناسبة ذكرى ثورة العشرين في الاحتفالية التي أقيمت في قضاء المشخاب بالنجف الاشرف التي حضرها عدد كبير من الشخصيات السياسية والعشائرية, حيث أوضح سماحته في الكلمة, الدور الكبير للمرجعية آنذاك التي مازالت صاحبة الكلمة الفصل في هذا البلد مبينا الدور الكبير للعشائر العراقية في مجالين هما: الالتزام بتوجيهات المرجعية الدينية والثاني التنظيم والتنسيق فيما بينها وإيصال رسالة الثورة من لسان العلماء إلى أبناء العشائر التي قامت بهذا الدور والتضحيات الجسام التي استرخصوها في سبيل الدين والوطن وترك ذلك في ذاكرة المحتل, كما أشار سماحته في الكلمة التي ألقاها إلى المعاناة التي يعيشها أبناء هذا البلد, من نقص في الخدمات وتهميش للحقوق, إضافة إلى الاحتلال الفكري والثقافي: وفيما يأتي نص الكلمة:
كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي (دام ظله) في ذكرى ثورة العشرين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير بريته محمد وآله الميامين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.
قال الله سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
إنما حياة الأمم بثباتها وتمسكها بالمبادئ التي توفر لها الحياة الكريمة وتمهد لها الطريق إلى الرقي حيث لا نهاية لمدارجه، وفي جميع الجوانب الدنيوية والأخروية، فإنه مهما وفق الإنسان في إخضاع الكائنات من حوله، في سبيل ما يوفر له ويمكنه من الوصول إلى مقاصده، تبقى أمامه آفاق واسعة للرقي والفوز والنيل لما تتوق إليه نفسه، ونفس الفوز والوصول إلى مقصدٍ ما يفتح له مجال النظر في نيل مدارج ومآرب أخر.. وكذلك الكلام في الارتقاء إلى مدارج الآخرة، فإنه مهما ارتفعت منـزلة الإنسان في عالم الآخرة ـ بتوفيق وتأييد من الله سبحانه وهدايته ـ يبقى المجال للمزيد من الرقي واسعاً ولا تنتهي مدارج الارتقاء عند حدّ ما.
فيجب على الإنسان أن يواصل الجهد في كسب الرقي في عالمي الدنيا والآخرة، وأولى الخطى في هذا الميدان: هو تحرير الإنسان نفسه من القيود التي يفرضها هو عليها، باتباع هوى نفسه. والتحرر من القيود التي يفرضها عليه أعدائه.
ونحن ما زلنا نعاني هذين النوعين من القيود: مما جعلنا ننحدر إلى قعر المهاوي، فهناك قيود فرضتها نفوسنا الأمارة بالسوء، فلم نحظ بنسمة الحرية من قيودها، وكذلك ثمة قيود قد فرضها علينا أعداؤنا الذين لا يروق لهم أن نعيش كأمم حرة نالت كرامتها وانفتحت أمامها آفاق الرقي، فنصبح من الأمم التي تعيش في جنب الأمم الحرة الكريمة؛ تملك أزمة أمورها بيدها.
والعراق منذ قرون ومنذ احتلال معاوية ـ رأس الشرـ وإلى يومنا هذا، بقي مكبلاً بالقيود، مسلوب الحرية، محكوماً عليه بالفشل في الحياة الكريمة، فحدثت في هذا التاريخ الطويل محاولات، وانبثقت ثورات، إلا أنها لم تتمكن من كسب الحرية، فإن تحرر في جانب بقى مكبلاً في جوانب أخرى من الحياة، بل لو تأملنا لأدركنا أنه في طوال هذه المدة كان أعداء العراق يتنازعون عليه، كأنه لقمة يتنازع عليها الجبابرة، والضحية هو الشعب العراقي.
ونحن اليوم نتذكر بإجلال وإكبار وببالغ الاحترام تلك الثورة التي قادها العلماء والمخلصون والعشائر الأبطال ضد المحتل الكافر، حيث كان للعشائر الغيورة على دينها ووطنها الدور الكبير والمتميز في مجالين:
الأول فهم مغزى هذه الثورة من خلال تلقي التوجيهات من علماء الدين، والثاني التنظيم والتنسيق فيما بينها، وإيصال رسالة الثورة من لسان العلماء إلى أبناء العشائر التي قامت بالدور الريادي لهذه الثورة والتضحيات الجسام التي استرخصوها في سبيل الدين والوطن، وترك ذلك في ذاكرة المحتل المعتدي أثراً كبيراً مما دفعه من خلال النظام البائد إلى السعي في محو معاني العزة والكرامة والعروبة في نفوس شيوخ العشائر، وجدّ في تبديل المخلصين منهم بغيرهم، ولكنه خاب وخسر، والعشائر اليوم كما عهدناهم على أُهبة الاستعداد في تلقي الأوامر من العلماء والقيام بما يمليه عليهم دينهم ووطنهم.
وننتهز الفرصة لنسترعي انتباه السياسيين إلى ما يعانيه الشعب من الحرمان وفقدان الخدمات العامة، الماء والكهرباء والغلاء الفاحش والبطالة والفساد الإداري... وغيرها ـ القائمة طويلة ـ وأن يعلم الكل أنه لا عزة ولا كرامة لنا جميعاً إلا من خلال الشعب، ويجب على كل من له أدنى قوة وأدنى صلاحية أن يخدم الشعب المظلوم الذي هو أمانة في رقابنا جميعاً، فإن قصرنا فلن يغفر لنا الشعب، ولا التاريخ أبداً ولعذاب الآخر أشد وأخزى.
والعراق مازال يعاني الاحتلال الفكري، والثقافي، وهو مطمع أهل الأهواء والضلالة، فهناك من يطمع في نفطنا، وهناك من يطمع بأراضينا المليئة بالخيرات، وهناك من يطمع في ديننا، وهناك من يطمع في سلطاننا، والعراق أرض الرسالات، وأرض الخيرات، مليء بالأبطال، وأصحاب الفكر النير، والعشائر الغيورة، قادر على كسر القيود والتحرر من نير العبودية في المجالات كافة، والوصول إلى ساحل الحياة الحرة الكريمة، بقيادة حكيمة شجاعة مخلصة متفانية في سبيل الشعب؛ فلا ينبغي لنا أن نركن إلى اليأس، ويجب أن نبتعد عن القنوط، وقد وعدنا الله سبحانه على لسان أوليائه بأن أرض الرافدين كما كانت محط حكومة أول إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ستكون مقراً لحكومة آخر إمام من أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم)، وتمتد أيدي حكومته لتشمل العالم كله، ويمتلئ قسطاً وعدلاُ كما ملئ ظلماً وجوراً، وأنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
اَللّـهُمَّ إِنّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدّةَ الْفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْح مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍّ تَكْشِفُهُ، وَنَصْر تُعِزُّهُ، وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَة مِنْكَ تَجَلِّلُناها، وَعافِيَة مِنْكَ تُلْبِسُناها، بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.. والسلام.