بحضور جمع من العلماء وأساتذة الحوزة العلمية والجامعات بمختلف الفروع العلمية ومن مختلف دول العالم الإسلامي، شارك الأمين العام لمؤسسة الأنوار النجفية الشيخ علي النجفي (زيد عزه) في المؤتمر العلمي الثالث بين الحوزة العلمية والجامعة، حيث أكد في كلمته التي مثل بها مكتب سماحة المرجع (دام ظله) على أهمية التلاقح فيما بين الحوزة العلمية والجامعة لما فيه من أثر كبير إذا ما مُدت الجسور لكسب الهدف الأسمى ألا وهو الارتقاء بأمتنا الإسلامية بنحو عام والعراق بنحو خاص للوصول بكل ثقة إلى أعلى مراتب العلوم والمعرفة، وبالتالي كسر مخططات العالم المستكبر عن طريق الاكتفاء فيما بيننا عن الحاجة للآخرين.
هذا وقد تلا الشيخ النجفي (زيد عزه) كلمة نيابية عن مكتب سماحة المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي (دام ظله) وفيما يلي نص الكلمة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة وهادياً ومعلماً للكونين، محمد بن عبد الله، وعلى آله السادة الميامين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله سبحانه: ((وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)) صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
معلوم أن عظمة الإنسان وامتيازه عن سائر الكائنات إنما هو بالحكمة والعقل. وهو يعد سيداً على عالم الكون والفساد، فهو بهاتين القوتين وهاتين المنحتين من الله سبحانه فضل على العالم. وشهد بفضله كتاب الله العزيز إذ قال: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)).
فكرامة الإنسان وعزته وشرفه بهاتين النعمتين نعمة العقل والحكمة. وليس يعني لفظ الحكمة جانباً معيناً من العلوم كما ربما يتوهم المتوهم، بل المقصود هو القوة وصلاحية التدبير بقيادة العقل السليم.
ومعلوم أيضاً أن العقل بدون التهذيب والتعليم والتربية لا يتمكن من التسلح بالحكمة وكسب المكانة اللائقة للبشر في الكائنات. ولذلك أهتم الإسلام بالتهذيب والتربية والتعليم أكثر من أي شيء آخر حتى جعل ذلك غاية لبعثة النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله سبحانه: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)).
وكان ذلك تجسيداً لاستجابة دعاء خليل الرحمن ونجله إسماعيل (عليهما السلام) حيث قالا: ((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)).
فكانت تلك الاستجابة في صورة بعثة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وفي الإسلام الذي جاء بهِ لينقذ البشرية من الظلمات إلى النور. وجاهد في الله وفي سبيل الإسلام حق جهاده. وتحمل ما لا يستطيع أن يتحمل غيره.
وكان من سوء حظ الأمة أن ابتعدت عن الطريق الذي رسمه لها نبي الرحمة الرؤوف الرحيم. وابتعدت عن العلم والحكمة اللذين تبناهما غيرها الذي أصبح اليوم سيد الموقف في جميع مجالات العالم في السياسية والاقتصاد والتقدم التقني والسيطرة على العالم وعلى الأراضي والبحار والأنهار والأجواء. فأصبحت الأمة المرحومة مقيدة بسلاسل الاستكبار العالمي.
ولا نرى لهذه الظلمة أن تنكشف ولا لهذه الذلة أن ترتفع ولا لهذه المصيبة أن تنجلي إلا بكسب العلم والتقدم في المجالين العلم الديني والعلم الأكاديمي، ولا يكفي أحدهما لأن علم الدين بدون العلم الأكاديمي يجعلنا في ضروريات حياتنا مكبلين بأيدي الاستكبار العالمي، ويجعل الابتعاد عن الدين أولادنا وأفلاذنا في محط الفساد الخلقي والنفسي، وفي مهاوي البهيمية. ومن هنا يكون التعاون بين الحوزة التي تمثل اليوم القيادة الدينية العلمية وتهذيب النفس، والجامعة التي تمثل الجانب الأكاديمي لتكتمل كل مقتضيات التقدم والسيادة والازدهار.
أرجو من الله سبحانه أن يمكن الساعين في التقريب بين هاتين المؤسستين من التقدم في هذا المجال، وتكون في ذلك خدمة للأمة الإسلامية على جميع الأصعدة. إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً. والسلام.