1- أول نشاة المرقد العلوي الشريف
خط المرقد العلوي الشريف لأمير المؤمنين وإمام المتقين الإمام علي بن أبي طالب (ع) سنة أربعين للهجرة الشريفة، وقد سوى الإمامان الحسن والحسين (ع) قبره مع الأرض وأخفيا معالم القبر بوصية منه اليهما، وهو على ما يقول الجاحظ " أول إمام خفي قبره"، وبقي موضع خط المرقد العلوي سرا مكتوما لا يعرفه إلاّ أهل بيته والخاصة من صحبه والصالحين من أتباعه لأسباب عديدة منها كما يبدو جرأة أعداءه الظلمة على نبش قبره (ع) حتى قيل إن الحجاج بن يوسف الثقفي حاول جهده الاهتداء لموضع القبر الشريف فحفر لذلك ثلاثة آلاف قبر في النجف طلبا له ولم يعثر عليه.
أما الخاصة من أهل بيته والخلص من أتباعه فكانوا يتعاهدونه بالزيارة والسلام بعيدا عن أعين الرقباء " فقد زاره الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام، والإمام عليّ بن الحسين زين العابدين مع ولده محمّد الباقر عليهما السلام، وانشأ عنده الزيارة المعروفة بـزيارة (أمين الله)، وزاره الإمام محمّد الباقر عليه السلام مرّة أخرى مع ولده الصادق عليه السلام، وزاره أيضا زيد ين عليّ (رض) مع أبي حمزة الثمالي وأبي قرة من أصحاب زيد الشهيد، وحين استقدم المنصور الإمام الصادق عليه السلام إلى الحيرة زاره (ع) عدّة مرات يصحبه في كلّ مرّة بعض أصحابه، وأعطى في أحدها نقوداً لصفوان الجمّال لإصلاح القبر (…) وممّن زاره مع الإمام الصادق عليه السلام ولده إسماعيل،ومن أصحابه أبان بن تغلب،ومحمّد بن مسلم،وصفوان الجمّال، ومحمّد بن معروف الهلالي، وسليمان بن خالد، وأبو الفرج السندي، والمعلى بن خنيس، وزيد بن طلحة، وعبد الله الرضوي، والمفضل بن عمر، ويونس ين ظبيان، كما زاره من الأئمة الإثني عشر أيضا: الإمام موسى الكاظم سنة 149هـ، والإمام عليّ بن موسى الرضا سنة 199هـ، والإمام محمّد الجواد سنه 221هـ،والإمام عليّ الهادي 234هـ، (عليهم السلام)وانشأ بعضهم زيارات خاصة عنده، أو أنشأوها ليزور بها أصحابهم (ع) إذا قصدوا المقام، وهي مدونة مسنده اليهم في كتب الزيارات.
وحين علم المنصور أنّ الإمام الصادق عليه السلام وعددا من أصحابه يوالون زيارة القبر، وكان كغيره من عامّة الناس يجهل موضعه، أراد أن يتأكد من ذلك بنفسه، فذهب منفرداً مع بعض خاصته وخَدمه وأمره أن يحفر في المكان المحدد للقبر، وكان يزوره بعد ذلك يناجيه معتذرا إليه مما يفعله بأبنائه".
وذكروا: إنّ داود بن عليّ أيضا فعل ذلك، فشاهد كرامة باهرة أخافته، فأمر ببناء القبر وصنع صندوقاً وضعه عليه.
وفي عهد هارون العباسي ـ وقد خرج للصيد في هذه المنطقة ـ رأى كرامة حملته على أنّ ينعطف ويخشع ويقيم على القبر قبةً بيضاءً،صنع على رأسها جرة خضراء،وكان ذلك في سنة 155 هجرية كما يقول الديلمي أو في سنة 170هـ كما يقول الشيرواني والمستوفي، وكان الرشيد يزوره ويصلّي عنده ويبكي معتذراً إليه، مما كان يصنع المنصور بولده.
وممّن زار قبر الإمام عليه السلام في تلك الفترة عيسى بن جعفر. ومن الخلفاء زاره المقتفي والناصر،وأطلق عنده صلاتٍ وأموالاً (...)، وزاره المستنصر وعدد لا يحصى من العلماء والسلاطين والشعراء والأعيان.
إخفاء القبر الشريف
لقد افصحت لنا الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) وكتابات المؤرخين المتقدمين منهم والمتأخرين عن الأسباب التي دعت الإمام علي (عليه السلام) لأن يوصي أولاده بإخفاء قبره ويبدو أن طبيعة الأوضاع السياسية التي عاشها الإمام (عليه السلام) منذ توليه الخلافة على مضض حتى شهادته (عليه السلام) ، انطوت وراءها أحداث جمة يكاد المتوقف عندها يحس للوهلة الأولى مدى ارتباطها بالمواقف المعادية والمخالفة له سواء أكان ذلك قبل ان يصل إلى سدة الحكم أم بعده.
وقد اختلفت هذه المواقف من شخص لآخر ، فالبعض منهم اكتفى بعدم اعلان ولاءه له وتخلف عن بيعته ، والبعض الآخر سار في طريق أكثر وعورة من هذا بتحشيد الجيوش ضده وخوض المعارك العسكرية التي تسببت في إزهاق كثير من نفوس المسلمين وخلفت انقسامات وفرقة بين المسلمين لاسباب تكون غير خافية على الباحث المدقق والمنصف عند رؤيته لطبيعة هذه الأحداث ابتداءا من حرب الجمل وحرب صفين ، وانتهاءا بموقعة النهروان التي خاضها الإمام (عليه السلام) ضد الخوارج.
وعليه كان الإمام (عليه السلام) على ثقة ويقين بأن الأمويين والخوارج وأمثالهم لو علموا بموضع قبره لنبشوه ، وبالفعل أثبتت فيما بعد سياسة الأمويين المخالفة والمعادية وبكل أشكالها لأهل البيت (عليهم السلام) والموالين لهم ، ونلمس هذا جليا بعد استشهاد الإمام (عليه السلام) ، حيث يذكر ابن أبي الحديد أنه : (كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كوره ، وعلى كل منبر ، يلعنون عليا ويبرأون منه ويوقعون فيه وفي أهل بيته) ، وفي نص آخر يذكر فيه : (انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته ، فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه ، وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره).
وسرى سب الإمام (عليه السلام) في جميع أنحاء العالم الإسلامي ، ومن يتخذ من لعنه فرضا بعد كل صلاة ، فلا يبعد منه أن يعتدي على موضع قبره هذا من جانب ، وكذلك أراد الإمام (عليه السلام) أن يبعد بني هاشم وأصحابه : (المحاربة والمجادلة والمشاحة التي أفضى عنها (عليه السلام) في حالة حياته ، فكيف لا يوصي بترك ما فيه مادة النزاع والفساد بعد مماته) وهذا من جانب آخر.
ولم يصل الأمر عند هذا الحد فحسب ، بل خلقت الأحاديث الموضوعة (ومضى على ذلك الفقهاء والقضاء والولاة ، فكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون ، والمستضعفون ، الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا مجلسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها ..)، وقد نقل لنا ابن أبي الحديد صورة صادقة إلى ما وصلت إليه الأمور في ذلك العصر.
لذا حاول الإمام (عليه السلام) أن يقطع دابر هذه الفتنة ، لأن التاريخ يحدثنا عن ثورة زيد بن علي سنة 121هـ في الكوفة على عهد هشام بن عبد الملك (106-126هـ) ، وبعد أن استشهد هو وجملة أصحابه حاولوا أن يخفوا موضع قبره في نهر ، ثم انطلقوا إلى النهر فقطعوا ماءه وحفروا فيه قبرا وواروه هناك ثم أجروا الماء عليه ، إلا أن أحد عيون السلطة الأموية أفشى بسر موضع دفنه إلى والي الكوفة يوسف بن عمر. فأمر الوالي بنبش القبر وإخراجه منه وصلب في كناسة الكوفة إلى زمن الوليد بن يزيد (126-127هـ) ، حيث أمر وإليه يوسف بن عمر بأن ينزل جثمان زيد من الخشبة ويحرقه بالنار، يذكر اليعقوبي : (ثم جمع فأحرق وذرى نصفه في الفرات ونصفه في الزرع ، وقال : يا أهل الكوفة ، لادعنكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم).
ولقد صدق حدس الإمام (عليه السلام) وكان مصيبا في قرارة هذا لأنه كان يعلم بأن الأمويين لا يتورعون في عمل أي شيء.
والروايات الواردة في كيفية نقل جثمانه الطاهر من الكوفة إلى أرض النجف كثيرة ، وهي وإن اختلفت في بعض نصوصها إلا أنها بقيت تصب في رافد واحد ، أي أنها التقت في المعنى وإن اختلفت في المبنى وقد نقل عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قوله : "لما أصيب أمير المؤمنين عليه السلام ، قال للحسن والحسين عليهما السلام : (غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري ، واحملا مؤخره تكفيان مقدمه ، فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن موضوع ، فالحداني و اشرجا اللبن علي ، وارفعا لبنة مما يلي رأسي فانظرا ما تسمعان).
وذكر الشيخ الطوسي : (وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين عليه السلام كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء ، حتى لو أن نبيا مات في المشرق ، ومات وصيه في المغرب ، ألحق الله الوصي بالنبي).
وقد حدد أمير المومنين عليه السلام موضع قبره الشريف بقوله لولديه الحسن والحسين عليهما السلام : (إذا مت فاحملاني على سرير وأتيا بي الغري ، وهو ظهر الكوفة ، فإنكما تريان صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرا ، فإنكما تجدان ساحة فادفناني فيها).
وسئل الإمام الحسن عليه السلام : (أين دفنتم أمير المؤمنين؟) فقال : (على شفير الجرف ، مررنا به ليلا على مسجد الأشعث) . وقد أراد بذلك أن مرور الجثمان الطاهر كان على هذا المسجد وصولا إلى أرض النجف بناء على وصيته عليه السلام : (ادفنوني في قبر أخي هود عليه السلام)( وفي رواية أخرى : (ادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح) وفي رواية ثالثة : (في قبر نوح عليه السلام) فقد سأل عبد الرحيم القصير الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين ، فقال الإمام : (إن أمير المؤمنين مدفون في قبر نوح) ثم ذكر وصيته : (إذا مت فغسلاني وحنطاني واحملاني بالليل سرا).
ويبدو أن البقعة التي ضمت جسد أمير المؤمنين عليه السلام قد ضمت أجساد الأنبياء والصالحين كما أشارت هذه الروايات ، وقد حدد أئمة أهل البيت سلام الله عليهم موضع القبر الشريف وفق شواخص معروفة في أرض النجف ، فقد قيل للإمام الحسين عليه السلام : أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال : خرجنا به ليلا على مسجد الأشعث حتى خرجنا به الظهر بجنب الغريين فدفناه هناك.
وفي رواية أخرى : خرجنا إلى الظهر بجنب الغري من نجف الكوفة.
وقد عقب ابن أبي الحديد المعتزلي على هذه الرواية بقوله : (وهذه الرواية هي الحق ، وعليها العمل ، وقد قلنا فيما تقدم أن أبناء الناس أعرف بقبور أبائهم من غيرهم من الأجانب ، وهذا القبر الذي بالغري هو الذي كان بنو علي يزورونه قديما وحديثا).
وقد أجاب الإمام الباقر عليه السلام على سؤال جابر بن يزيد الجعفي : (أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام؟) بقوله (دفن بناحية الغريين قبل طلوع الفجر ، ودخل قبره الحسن والحسين عليهما السلام، ومحمد بن علي ، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه).
وذكر السيد غياث الدين بن طاووس : أن الإمام عليا عليه السلام دفن في جوف الليل بموضع يقال له الغري.
وقد أكدت الروايات المنقولة عن آل البيت عليهم السلام على مدفن جثمان الإمام علي عليه السلام في أرض الغري من النجف ، وفي الموضع الذي يزار الآن ، وقد سئل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وهو ممن حضر دفن عمه أمير المؤمنين عليه السلام : (أين دفنتم أمير المؤمنين؟) فأجاب قائلا : (خرجنا به حتى إذا كنا بظهر النجف دفناه هناك).
وإن الروايات المنقولة عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام لها أهمية تاريخية في تحديد المرقد الشريف ، فقد ورويا عن استشهاده ومدفنه ، وقال الإمام الباقر عليه السلام : إن الإمام عليا عليه السلام قال في وصيته : (أن أخرجوني إلى الظهر ،فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني ، وهو أول طور سينا. ففعلوا ذلك).
وسأل أبو بصير الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : (أين دفن أمير المؤمنين عليه السلام؟) فقال : (دفن في قبر أبيه نوح عليه السلام) فسأله : (أين قبر نوح ؟ الناس يقولون أنه في المسجد) فقال الإمام : (لا ، ذلك في ظهر الكوفة).
وذكر العلامة المجلسي : أن صفوان الجمال قال : خرجت مع الصادق عليه السلام من المدينة نريد الكوفة . فلما جزنا بالحيرة ، قال : يا صفوان ، قلت : لبيك يا بن رسول الله ، قال : تخرج المطايا إلى القائم وحد الطريق إلى الغري ، قال صفوان : فلما صرنا إلى قائم الغري ، أخرج رشاء معه دقيقا قد عمل من الكنبار ، ثم أبعد من القائم مغربا خطى كثيرة ثم مد ذلك الرشاء حتى إذا انتهى إلى آخره وقف ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخرج منها كفا من تراب ، فشمه مليا ثم أقبل يمشي حتى وقف على موضع القبر الآن ، ثم ضرب بيده المباركة إلى الأرض فقبض منها قبضة فشمها ثم شهق حتى ظننت أنه فارق الدنيا، فلما أفاق قال : ها هنا والله مشهد أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم خط تخطيطا فقلت : يا بن رسول الله ما منع الأبرار من أهل البيت من إظهار مشهده ؟ قال : حذرا من بني مروان والخوارج أن تحتال في أذاه.
وقد أخذت المصادر الموثوقة الروايات عن الأئمة عليهم السلام في تحديد مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من أرض النجف أو من "نجف الكوفة" وما فيها من شواخص دينية وتاريخية وجغرافية كقبور آدم ونوح وهود عليهم السلام والذكوات البيض أو الحمر والغريين , وقد حددت النصوص أن الإمام عليا عليه السلام دفن بين هذه الشواخص بوصية منه لولديه : (إذا مت فاحملاني على سرير ثم أتيا بي الغري ، وهو نجف الكوفة ، فإنكما تريان صخرة بيضاء تلمع نورا ، فاحتفروا فإنكما تجدان ساحة فادفناني فيها).
وذكر المحدث ابن قولويه : إن قبر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالغري بظهر نجف الكوفةوذكر أن الغري موضع بالكوفة وقد دفن فيه الإمام علي عليه السلام. وأكدت الكثير من النصوص والروايات على دفن الإمام في الغري أو بين الغريين ، فأشار إلى ذلك الإمام الصادق عليه السلام بقوله : لما قبض أمير المؤمنين عليه السلام، أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن يمينهم ثم أخذوا في الجبانة ، حتى مروا إلى الغري فدفنوه وسووا قبره وانصرفوا.
وحدث الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) عليه السلام أبا حمزة الثمالي رضي الله عنه بقوله : هل لك أن تزور معي قبر جدي علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال أبو حمزة : أجل ، فسار في ظل ناقته والإمام زين العابدين يحدثه حتى أتيا أرض الغريين – وهي بقعة بيضاء تلمع نورا – فنزل الإمام عن ناقته ومرغ خديه بالتراب وقال : يا أبا حمزة ، هذا قبر جدي علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم زاره، وتعد "الذكوات البيض" من الدلالات الشاخصة في أرض النجف حيث دفن أمير المؤمنين عليه السلام بينها ، أو عندها ، أو بينها وبين الغريين. وقد أطلق عليها أيضا لفظ (الذكوات الحمر)وروي أن يونس بن ظبيان قد أتى مع الإمام الصادق عليه السلام من مدينة الحيرة إلى أرض النجف حتى انتهيا إلى الذكوات الحمر ، فقصدا على موضعا فيه ماء وعينا فتوضئا ثم دنوا من اكمة فصليا عندها.
وإن تحديد القبر بين هذه الذكوات والغريين هو تحديد دقيق حيث أن بعض معالمها ما زالت قائمة حتى الوقت الحاضر ، وهي عبارة عن تلال متفرقة تحيط بالمرقد الحيدري الشريف , والذكوات في اللغة جمع ذكاة وهي الجمرة الملتهبة من الحصى، وقد شبهت بذلك لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها لما تحتوي من الدراري المضيئة. وقد اعتاد الناس التختم بحصى الذكوات البيض تبركا لأنها من أرض تشرفت بجسد أمير المؤمنين عليه السلام.
وذكر بعض المرافقين للإمام الصادق عليه السلام لأرض النجف هذه الشواخص البارزة والمحيطة بالقبر الشريف ، فذكر سليمان بن خالد ومحمد بن مسلم رحمهما الله : مضينا إلى الحيرة فاستأذنا ودخلنا إلى أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام ، فجلسنا إليه وسألناه عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال : إذا خرجتم فجزتم الثوية والقائم وصرتم من النجف على غلوة أو غلوتين رأيتم ذكوات بيضا بينهما قبر قد خرقه السيل . فنزلنا فسلمنا وصلينا عنده ثم انصرفنا فلما كان من الغد غدونا إلى أبي عبد الله عليه السلام فوصفنا له فقال : أصبتم أصاب الله بكم الرشاد.
وكان الإمام الصادق عليه السلام قد رسم لأصحابه الطرق المؤدية إلى النجف والوصول إلى المرقد الشريف سواء عن طريق الكوفة أم الحيرة. فقد روى عنه عليه السلام صفوان الجمال فقال : سار وأنا معه من القادسية حتى أشرف على النجف فقال : هو الجبل الذي اعتصم به ابن جدي نوح عليه السلام حينما قال : (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) فأوحى الله عز وجل إليه : يا جبل أيعتصم بك مني أحد؟ فغار في الأرض وتقطع إلى الشام ، ثم قال عليه السلام : اعدل بنا ، قال : فعدلت به فلم يزل سائرا حتى أتى الغري ، فوقف على القبر فساق السلام من آدم على نَبِي عليهم السلام ، وأنا أسوق السلام معه حتى وصل السلام إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم خر على القبر فسلم عليه وعلا نحيبه ثم قام فصلى أربع ركعات (وفي خبر آخر ست ركعات) وصليت معه وقلت له : يا بن رسول الله ، ما هذا القبر ؟ قال : هذا القبر قبر جدي علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأكد أئمة أهل البيت في أحاديثهم على أن قبر أمير المؤمنين عليه وعليهم السلام في أرض النجف ، وموقعه من الكوفة أو من "نجف الكوفة"(. وقد أوضحوا قدسية القبر الشريف والبقعة التي أحاطت به ، فقال الإمام الصادق عليه السلام : (إن ميمنة الكوفة روضة من رياض الجنة) و(إن جانب الكوفة يمن) و(إن يمين الكوفة روضة من رياض الجنة) و(نحن نقول بظهر الكوفة قبر لا يلوذ به ذو عاهة إلا شفاها الله) وقال أيضا : (أربع بقاع ضجت إلى الله أيام الطوفان : البيت المعمور فرفعه الله ، والغري وكربلاء وطوس) وقيل : إن أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا على ظهر الكوفة.
وأشارت المصادر الموثقة في التاريخ والحديث إلى حقيقة قبر أمير المؤمنين عليه السلام في أرض النجف الأشرف ، فقد أشار ابن أعثم الكوفي إلى ذلك بقوله إنه دفن في جوف الليل الغابر بموضع يقال له الغري.
وقال المؤرخ المسعودي : إن عليا عليه السلام دفن بظاهر الكوفة بالغري وقال المحدث ابن شهر آشوب نقلا عن الإمام الغزالي قوله : (ذهب الناس أن عليا دفن على النجف ، وأنهم حملوه على الناقة فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره فبركت ، فجهدوا أن تنهض فلم تنهض فدفنوه فيه وأكد بعض المؤرخين على صحة القبر الشريف في أرض النجف ، فقال القلقشندي : إن الإمام عليا عليه السلام دفن بالنجف على الصحيح المشهور. وقال ابن الأثير : "والأصح أن قبره هو الموضع الذي يزار ويتبرك به" وقد وقف المؤرخ ابن الوردي على رأي ابن الأثير وأيده بالقول : (والأصح الذي ارتضاه ابن الأثير وغيره أنه بالنجف) وقال السيد ابن طباطبا (ابن الطقطقي) : أما مدفن أمير المؤنين عليه السلام ، فإنه دفن ليلا بالغري ثم عفا قبره إلى أن ظهر حيث مشهده الآن.
وقال السيد ابن زهرة : (واختلفت في موضع قبره ، والصحيح أنه في الموضع المشهور الذي يزار فيه اليوم) أي إلى عصر السيدين ابن طباطبا وابن زهرة ، وهما من أعلام القرن الثامن الهجري.
وقد استعرض المكي الروايات الذاهبة إلى مدفن الإمام علي عليه السلام ثم قال : (دفن بالنجف على أشهر الأقوال) وروى المحدث الشيخ الكليني عن عبد بن سنان قال : أتاني عمر بن يزيد فقال لي : إركب ، فركبت معه ، فمضينا حتى أتينا منزل حفص الكناسي ، فاستخرجته فركب معنا ، ثم مضينا حتى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر ، فقال : إنزلوا ، هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقلنا : من أين علمت ؟ قال : أتيت مع أبي عبد الله عليه السلام ، حيث كان بالحيرة غير مرة وأخبرني أنه قبره.
سبب إخفاء قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)
لعل مواقف أمير المؤمنين في الحرب التي أذل بها إبطال قريش وساداتهم دفاعا عن الإسلام ، وتثبيت دعائمه ، أوغر قلوب أعداء الله والإسلام حقدا ، وملء صدورهم غلاً ... فراحوا يتحينون الفرص للانتقام منه ، والطعن به ، والنيل منه....
وليس بخاف على أحدٍ ما فعله بنو أمية (آل سفيان) ثم بنو العباس من النصب والعداء لأمير المؤمنين (ع) ... ولذلك أوصى (ع) أن يخفى قبره ... لعلمه أن الأمر سيصير إلى بنى أمية من بعده ، فلم يأمن أن يمثلوا بقبره من بعده (( فاقتضي ذلك أن أوصى بدفنه عليه السلام سراً وخوفاً من بني أمية وأعوانهم والخوارج وأمثالهم فربما لو نبشوه مع علمهم بمكانه حمل ذلك بني هاشم على المحاربة والمشافقة التي أغضى عنها عليه السلام في حال حياته فكيف لا يرضى بترك ما فيه مادة النزاع بعد وفاته ))؟ ( بنظر: فرحة الغري ص25 ) .. ويمضي السيد إبن طاووس قائلا )) وقد كان في طي قبره فوائد لا تحصى غير معلومة لنا بالتفاصيل وروي عن إبن عباس ( أن رسول الله (ص) قال لعلي (ع) أن أرض كوفان شرفها بقبرك يا علي .. فقال علي (ع) : يا رسول الله أقبر بكوفان العراق ؟ فقال نعم يا علي تقبر بظاهرها قتيلاً بين الغريين و الذكوات البيض ....))(فرحة الغري / 37-38) .
وهذا ما دعا الحجاج بن يوسف الثقفي حينما صار الأمر لبني أمية أن يدعو إلى حفر ثلاثة آلاف قبر في النجف طلبا لجثة أمير المؤمنين (ع) كما ذكر ذلك صاحب كتاب منتخب التواريخ على صفحة 291 من هذا الكتاب .....
لذلك لم يطلع على قبر أمير المؤمنين غير أولاده (عليهم السلام) ومن وثقوا به من شيعتهم ..
ظهور القبر الشريف وكرامته
لقد ألتزم أولاد أمير المؤمنين عليهم السلام بما أوصاهم به والدهم وبقي مكان القبر المطهر سراً من أسرار آل البيت (عليهم السلام) لا يعرفه أحد غيرهم إلا ثلة قليلة من شيعتهم المقر بين إليهم ..
وما إن دالت دولة بني أمية ، وصار الأمر بيد بني العباس انتفت أسباب إخفاء القبر الشريف .. فاخذ السر الذي كتموه سنين طويلة بالظهور فاطلعوا عليه الخلص من الذين أمنوا بالله ورسوله إيمانا حقا وأحبوا آل بيته وأخلصوا لهم إلتزاما بقوله تعالى (( قل : لا اسئلكم عليه اجراً إلا المودة في القربى )) . وكان القبر وقت ذاك ربوة قائمة أو أكمة كما ذكرت ذلك الكتب التاريخية المعتبرة .
ويروي أن داود بن علي العباسي (ت132 هـ) حاول أن يعرف سر القبر ويكتشفه فبعث ببعض غلمانه ممن يضع ثقته فيهم وكان من بينهم عبد أسود عرف بقوته الجسمانية .. فباشروا بالحفر حتى وصلوا ما يقرب من خمسة أذرع إلى صخرة صلدة وقفت حائلاً بينهم ومواصلة الحفر ، فطلبوا من الغلام الأسود أن ينزل ويجرب قوته فيها فضربها بقوة أحدثت صوتا ً قوياً وتلاها بثانيه وثالثه حتى سمعوه يصرخ ويستغيث ويطلب منهم أن يخرجوه فلما أخرجوه وحاولوا استنطاقه ليتبنوا الأمر منه لم ينطق ببت شفه ولازم الصمت خائفا مرعوباً ثم اخذ لحمه يتناثر من سائر جسده فتناهى الخبر إلى داود بن علي فكتم أمر محاولته هذه وأعاد دفن القبر وعمل عليه صندوقا من الخشب .. ينظر (فرحة الغري ص61).
(ما طرا على القبر الشريف من الأعمار والإصلاح )
لقد طرأت على القبر الطاهر بعد وضع داود بن علي العباسي الصندوق تغييرات وإصلاحات وعمارات عدة أبرزها وأهمها كما يأتي .
أولا (عمارة هارون الرشيد)
وتعد العمارة الأولى أمر ببنائها وتشييدها الخليفة العباسي هارون الرشيد سنة (100هـ) . وينقل لنا صاحب كتاب (عمدة الطالب ) على صفحة (42) من كتابه هذا السبب الذي دعا هارون الرشيد إلى الاهتمام ببنائه ، وهو انه خرج يوما إلى ظاهر الكوفة يتصيد ، وهناك حمر وحشية وغزلان كثيرة في هذا المكان فكان كلما القي صقوره وكلابه عليها لجأت إلى كثيب رمل هناك ، فترجع عنها الصقور والكلاب ؟ وتكرر ذلك أكثر من مرَّة ، فتعجب الرشيد اشد العجب من ذلك .. فحاول أن يعرف علة ذلك الأمر فاستدعى ذوي الخبرة والشأن بهذا المجال ومن له اطلاع بهذا الأمر من أهل الكوفة فاخبره ....... من استدعاهم للسؤال أن تحت هذا الكثيب الرملي قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) .. فسارع إلى استدعاء أمهر البنائين والصناع وأمرهم ببناء قبة فخمة على هذا المكان لها أربعة أبواب ... وتم استخدام الطين الأحمر في بنائها .. وطرح على رأسها جرّة خضراء ... أما الضريح فبني بحجارة بيضاء .
ينظر : ارشاد القلوب / للديلمي
ورياض السياحة / لزين العابدين الشيرواني ص309
ونزهة القلوب / لحمد الله المستوفي ص134
وأجمعت كتب التاريخ المعتبرة التي تناولت هذا الأمر على أن هارون الرشيد هو أول من أطهر القبر الشريف ... وهو أول من عمّره عمارة عالية وجعل له منارا مرتفعا ... وسمح للناس بالذهاب إليه وزيارته .
ثالثا : (عمارة الداعي الصغير)
وهي العمارة الثانية شيدت بأمر من محمد بن زيد بن محمد إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط المعروف بـ(الداعي الصغير)
ملك طبرستان أكثر من سبع عشرة ثم قتل سنة (287هـ) .
أمر ببناء قبة وحائط وحصن فيه سبعون طاقا ..
ومن الجدير بالذكر أن هذا البناء يعد إحدى الظواهر الغيبية التي أنعم الله عز وجل على آل البيت الرسول (ص) ، إذ قام الإمام جعفر الصادق (ع) بإخبار أصحابه بهذا البناء بتفاصيله الدقيقة قبل عشرات السنين من بنائه .
وعبر السنين طرأت على هذه العمارة إضافات وإصلاحات منها ما قام به عمر بن يحيى القائم بالكوفة ، كما ذكر ذلك المحدث النوري في مستدرك الوسائل 435/3 .
و ذكر ابن حوقل في كتابه (صورة الأرض) على صفحة 43 أن هناك عمارة أخرى قبل عمارة عضد الدولة ..
وضرب أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان على هذا المكان حصارا منيعا وابتنى على القبر المطهر قبة عظمية رفيعة الأركان لها أبواب من كل جانب ، وقد ورد ذكر هذه العمارة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/54-64 .
(( عمارة عضد الدولة ))
وهي العمارة الثالثة .. وقد عُدّت من بدائع ما صنعه الإنسان في هذا المجال وقتذاك .
ويذكر صاحب (إرشاد القلوب) على صفحة (148) الجزء الثاني .. إنًّ عضد الدولة أمر بإعادة بناء العمارة السابقة وجلب لهذا الغرض أشهر البنائين والمعماريين فعمر المكان وبني فيه عمارة حسنة وقد كانت موجودة سنة (338هـ) .. كما جاء ذكرها في كتاب (رياض السياحة) ص309 .. أمّا صاحب كتاب (تاريخ طبرستان) فيذكر في الجزء الأول وعلى صفحة (224) أنَّ العمارة باقية كما هي إلى سنة (753هـ) .
ومن يطلع على ما كتبه الرحالة ابن بطوطة يجد انه قد خصص جزءً من رحلته متحدثاً عن النجف بعد أن زارها سنة (727هـ) ، فيصف البلدة وأسواقها ومدارسها وما في الصحن الشريف من نفائس وتحف .. ثم يصف ما يقوم به سدنة المرقد المطهر مع الزوار القادمين من أماكن مختلفة .. ويعطي وصفاً شاملاً للقناديل المعلقة وللمسطبة وما كسيت به ويذكر ارتفاعها وما فيها من القبور فيقول ((فيزعمون أنَّ احدها (قبر أدم (ع) ) والثاني (قبر نوح (ع) ) والثالث (قبر علي رض الله عنه) ، ثم يذكر الطشوت المصنعة من الذهب والفضة التي بين القبور وما فيها من ماء الورد والمسك وأنواع الطيب .. وكيف يأتي الزائر فيغمس يده فيها ويدهن وجهه تبركاً .
(ينظر : رحلة ابن بطوطة)
وإذا كان الفضل يعود في بناء العمارة لعضد الدولة فانَّ أمراء بعض بني بويه ووزرائهم ، وكذلك الحمدانيين وبعض بني العباس المحبين لآل بيت الرسول (صل الله عليه وآله وسلم) قاموا بإصلاحات وتطويرات وإضافات فنية جميلة .. (ينظر: فرحة الغري ص53) .
من الجدير بالذكر أنَّ (المستنصر بالله العباسي) اهتم اهتماماً كبيراً بتعمير الضريح المقدس وبالغ في تحسينه وتزيينه .. (ينظر: المصدر نفسه) وقد امتدت إلى هذه العمارة السنة النيران وأكلت ما فيها من أثاث وأخشاب وأتلفت القناديل واللوحات .
((العمارة المنسوبة الى الأيلخانيين))
وهي العمارة الرابعة ، فيعد احتراق عمارة عضد الدولة البويهي سعى كثيرٌ من ذوي الجاه والسلطان من المتشيعّين إلى إعادة أعمارها وتحسينها .
وفعلا أعيد أعمارها وزينت بأحسن النقوش وفرشت بالفرش الفاخرة لكنَّ احداً لم يذكر شيئاً عمّن قام بتعميرها وتزيينها وفرشها .
(ينظر: نزهة الناظر ، لمحمد بن سليمان بن زوير السليماني)
(ينظر: رسالة أهل الحرمين ، لحسين الصدر الكاظمي).
ويرى صاحب ماضي النجف وحاضرها أنَّ هذه العمارة تعود إلى الايلخانيين .. وفي عصرهم أعيد إصلاحها وتأثيثها وتزيينها .
وممن اشتهر بإصلاح هذه العمارة الشاه عباس الأول المعروف بآثاره الجميلة في النجف الأشرف .
ينظر: المنتظم الناصري لمحمد حسن خان ، 2/179.
ينظر: ملحق روضة الصفا / لرضا قلي .
(( عمارة الشاه صفي ))
وهي العمارة الخامسة ، عني بتشييدها وإصلاحها الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول .. وأمر بتوسيع ساحة الصحن الشريف التي كانت ضيقة وهدم بعض جوانبها لتوسيع ساحة الحرم العلوي المطهر .. (ينظر: ملحق روضة الصفا،لرضا قلي ، الجزء الأول) .
وقد أمر وزير الشاه صفي بإجراء بعض التعديلات على الحرم الشريف فوسع ساحته .. وبأمر من الشاه صفي أوعز إلى العاملين بجلب ماء الفرات إلى النجف وكانت المدينة بأمس الحاجة إليه
القبة الذهبية الشريفة
يغطي الضريح العَلَوي المقدس قبتان: داخلية محدبة على هيئة نصف كرة مستديرة تقريبا مطرزة بالفسيفساء والقاشاني الجميل يبلغ ارتفاعها عن ارض الحرم(23،50م)، وخارجية بصلية الشكل يبلغ ارتفاعها من قاعدتها إلى لفظ الجلالة الذي يعلوها(18،15م) وبين القبتين المذكورتين فراغ، يبلغ قطر القبة الداخلية (13.5)م، فيما يبلغ قطر القبة الخارجية (16.6)م، (ولهذه القبة من الخارج شكل قل ما يوجد له نظير بين قباب الأضرحة والمساجد أيضاً في العالم كله)، وتعد قبة أمير المؤمنين(عليه السلام) من القباب العالية والضخمة والتي تمتاز برقبة طويلة تزيد في هيبتها وضخامتها، وتعتبر من أكثر القباب دقة وتنسيقاً وأروعها منظراً، وذكر الرحالة نيبور الذي زار النجف الأشرف سنة 1765م بقوله: (ليس هنالك في أي مبنى في العالم سقف أثمن من هذا السقف).
تستند القبة على أربع ركائز كبيرة على شكل زاوية وتقوم على رقبة طويلة يبلغ ارتفاعها (5،60م)، فيما يبلغ محيطها من الخارج(51.85)م, يخرج منها (12) شباكا لتهوية الحرم المطهر وإضاءته، يصل ارتفاع الشباك من الخارج إلى حوالي (4)م وعرضه (2.1)م، وإن المساحة الفاصلة بين شباك وآخر تصل إلى (2.15)م ، في حين وجدنا عمق الشباك(1.45) م لينفذ إلى القبة الداخلية،وقد زخرفت القبة من داخلها بأروع زخارف الفن الإسلامي، وأمر نادر شاه أن تطلى الكتابة الممنطقة للقبة من داخلها بالمينا والفسيفساء، وغُلفت ركائز القبة والعقود الفاصلة بينها بالمرايا الغاية في الجمال والدقة وبشكل مقرنصات، ثم يعلوها رقبة القبة التي غلفت بالبلاطات المزججة، كتب عليها آيات قرآنية كريمة أحاطتها عينية ابن أبي الحديد آنفة الذكر على هيئة(24) بيتاً من الشعر في الأعلى ومثلها في الأسفل، ونصب فوقها وضمن رقبة القبة شابيك الإضاءة والتهوية المذكورة سابقا.
وهذه قصيدة ابن أبي الحديد التي كتب منها على محيط القبة من الداخل (48) بيتاً فقط.
يا رسمُ لا رَسمتكَ ريحٌ زعزعُ *** وسَرَتْ بليل في عراصِك خروعُ
لَم ألفَ صَدري من فؤادي بَلقعا *** إلاّ وأنت مِنَ الأحبّةِ بَلقَعُ
جاري الغَمام مدامعي بك فانثَنتْ *** جون السحائب فهي حَسرى ظلّعُ
شروى الزمان يُضيء صبحٌ مسفرٌ *** فيه فيَشفعهُ ظلامٌ أسفعُ
للهِ درَّك والضِلالُ يَقودني *** بيدِ الهوى فأنا الحَرونُ فاتبعُ
يقتادني سكرُ الصَبابة والصبا *** ويصيحُ بي داعي الغرامِ فأسمعُ
دهرٌ تقوّضَ راحلاً ما عيب من *** عقباه إلاّ أنهُ لا يَرجعُ
يا أيها الوادي أجلّكَ وادياً *** وأعزّ إلاَ في حماك فأخضعُ
وأسوف تُربَكَ صاغراً وأذل في *** تلكَ الرُبى وأنا الجَليدُ فأخنعُ
ذاك الزمانُ هو الزمان كأنما *** قيظ الخطوب به ربيعٌ مُمْرعُ
وكأنما هو روضةٌ ممطورةٌ *** أو مِزنةٌ في عارضٍ لا تقلعُ
قد قلت للبرقِ الذي شقّ الدُجى *** فكأن زنجياً هنالكَ يُجدَعُ
يا برقُ إن جئتَ الغريَّ فقل لهُ: *** أتراكَ تعلمُ من بأرضِكَ مودعُ
فيكَ ابنُ عمران الكليمُ وبعدهُ *** عيسى يقفّيهِ وأحمدُ يتبعُ
بل فيكَ جبريلُ وميكالُ واسـ *** ـرافيلُ والملأُ المقدسُ أجمعُ
بل فيكَ نورُ اللهِ جلَّ جلالهُ *** لذوي البصائرِ يستشفُ ويلمعُ
فيكَ الإمامُ المرتضى فيكَ الوصيُّ *** المجتبى فيكً البطينُ الأنزعُ
الضاربُ الهامَ المقنّعُ في الوغى *** بالخوف للبُهمِ الكُماة يقنّعُ
والسمهريةُ تستقيمُ وتنحني *** فكأنَّما بين الأضالع ِأضلعُ
ومبددُ الأبطال حيث تألّبوا *** ومفرّقُ الأحزابِ حيثُ تجمّعوا
والحبرُ يصدعُ بالمواعظِ خاشعاً *** حتى تكادَ لها القلوبُ تصدّعُ
حتى إذا استعرَ الوغى متلظياً *** شَربَ الدماءَ بغلةٍ لا تقنعُ
مُتجلبباً ثوباً من الدمِ قانياً *** يعلوهُ مِنْ نقعِ الملاحمِ بُرقعُ
هذا ضميرُ العالمِ الموجودِ عن *** عدمٍ وسرُّ وجودهِ المستودعُ
هذا هو النورُ الذي عذباتُه *** كانت بجبهةِ آدم تتطلعُ
وشهابُ موسى حيثُ أظلمَ ليلُهُ *** رُفعتْ له لألاؤهُ تتشعشعُ
يا من له رُدّت ذكاءُ ولمْ يَفُزْ *** بنظيرها مِنْ قبلُ إلاّ يوشعُ
زُهد المسيح وفتكةُ الدهرِ الذي *** أودى بها كسرى وفوَّز تُبعُ
هذي الأمانة لا يقومُ بحملها *** خُلقاء هابطةٌ وأطلسُ أرفعُ
يا هازمَ الأحزابِ لا يثنيهِ عن *** خوضِ الحِمامِ مدججٌ ومدرّعُ
يا قالعَ البابِ التي عن هزّها *** عجزتْ أكفٌ أربعونَ وأربعُ
لولا حدوثك قلت: إنك جاعلُ الـ *** أرواحَ في الأشباحِ والمستنزّعُ
لولا مماتُكَ قلت: إنَّكَ باسطُ الـ *** أرزاق ِ تقدرُ في العطاءِ وتوسِـعُ
ما العالمُ العُلويّ إلاّ تربةٌ *** فيها لِجُثتِكَ الشريفةِ مضجعُ
أنا في مديحِك ألكنُ لا أهتدي *** وأنا الخطيبُ الهزبري المصْقعُ
ما الدهرُ إلاّ عبدُكَ القِنُّ الذي *** بنفوذِ أمركَ في البرية مولعُ
أ أقولُ فيكَ سميدعُ كلا ولا *** حاشا لمثلكِ أن يُقالَ سميدعُ
بل أنت في يومِ القيامةِ حاكمٌ *** في العالمينَ وشافعٌ ومشفَّعُ
ولقد جهلتَ وكنتَ أحذقَ عالمٍ *** أغرارُ عزمِك أم حسامُك أقطعُ
وفقدتُ معرفتي فلستُ بعارفٍ *** هل فضلُ علمِكَ أم جنابُكَ أوسعُ
لي فيكَ معتقدٌ سأكشفُ سِرَّهُ *** فليصغِ أربابُ النهى وليسمعوا
هي نفثةُ المصدورِ يطفيءُ بردَها *** حرُّ الصبابة فاعذلوني أو دعوا
واللهِ لولا حيدرُ ما كانت الـ *** ـدنيا ولا جمعُ البرية مجمعُ
من أجلهِ خُلِقَ الزمان وضَوّئت *** شهبٌ كَنَسْنَ وجنَّ ليلٌ أدرعُ
وإليهِ في يومِ المعادِ حسابُنا *** وهو الملاذُ لنا غداً والمَفزعُ
هذا اعتقادي قد كشفت غطائهُ *** سيضرُّ معتقداً لهُ أو ينفعُ
أهواكَ حتى في حشاشةِ مهجتي *** نارٌ تَشُبُّ على هواكَ وتلذعُ
وتكادُ نفسي أن تذوبَ صبابةً *** خلقاً وطبعاً لا كمن يَتَطَبّعُ
ورأيتُ دينَ الاعتزالِ وأنني *** أهوى لأجلكَ كلَّ مَنْ يَتشيَّعُ
ولقد علمتُ بأنّه لا بدَّ مِنْ *** مَهديّكُم وليومِه أتطلعُ
يحميهِ مِنْ جندِ الإلهِ كتائبٌ *** كاليمِ أقبلَ زاخراً يتدَفعُ
فيها لآل أبي الحديد صوارمٌ *** مشهورةٌ ورماحٌ خطٍ شُرّعُ
ورجالُ موتٍ مقدمون كأنهم *** أسدُ العرين الربدِ لا تتكعكعُ
تلك المنى أما أغبْ عنها فلي *** نفسٌ تنازعني وشوقٌ ينزعُ
ولقد بكيتُ لقتلِ آلِ محمدٍ *** بالطفِ حتى كلُّ عضوٍ مدمعُ
وحريم آلِ محمدٍ بين العدى *** نهبٌ تقاسِمهُ اللئامُ الوضَّعُ
من فوقِ أقتابِ الجمال يشلّها *** لُكعٌ على حَنَقٍ وعَبدٍ أكوعُ
مثل السبايا بل أذلُّ يشقُ منــ *** هُنّ الخمارُ ويُستباحُ البُرقُعُ
فمصفّدٌ في قيدهِ لا يُفتدى *** وكريمةٌ تُسبى وقُرطٌ يُنزَعُ
تاللهِ لا أنسى الحُسين وشِلوهُ *** تَحتَ السنابك بالعراءِ مُوزَّعُ
متلفعاً حُمرَ الثيابِ وفي غدٍ *** بالخُضرِ في فردوسهِ يَتلفَّعُ
لهفي على تلك الدماء تُراق في *** أيدي أميةَ عنوةً وتضيّعُ
بأبي أبا العباس أحمد أنه خيرُ *** الورى مِنْ أنْ يطلَّ ويمنعُ
فهو الوليُّ لثارِها وهو الحَمو *** لُ لعبئها إذْ كلُّ عودٍ يضلعُ
ويفصل بين القبة والرقبة شريط يطوق القبة من الداخل كتب عليه بخط الثلث سورة الفجر، فيما أحاط القبة من الداخل أيضاً وعند ابتداء الرقبة القائمة على الأركان الأربعة شريط من الكتابة لسورة النبأ بخط الثلث.
أما من الخارج فقد كانت القبة مغلفة بالبلاطات الخزفية حتى عهد نادر شاه عام (1156)هـ الذي زار النجف الأشرف وأمر بخلع البلاطات الخزفية وتغليف القبة الشريفة بصفائح ذهبية, فغلفت الرقبة من الخارج بصفائح ذهبية مربعة طول ضلعها(24)سم، أما القبة فغلفت بصفائح ذهبية مستطيلة الشكل طولها حوالي(31.5)سم وعرضها (22)سم تصغر حجم الصفائح كلما وصلت القمة، ونصبت رمانة ذهبية على قمة القبة يبلغ ارتفاعها(3.5)م من عقدة البناء وحتى لفظ الجلالة الذي وضع في أعلى قمة، والذي نصب بدل الإكليل الذهبي (الكف والشمس الذهبية) التي كانت موجودة قبل لفظ الجلالة وعليه كتبت الآية الكريمة(يد الله فوق أيديهم)، وقد رفع بأمر الحكومة في بداية ثمانينيات القرن الماضي ونقل إلى بغداد حسب ما يذكر، ولم يتم العثور عليه رغم البحث المتواصل من قبل إدارة الصحن الشريف، وقد أشار التميمي إلى صورة للإكليل إلى جانب الوجيه الحاج محمد صالح الجوهرجي الذي تبرع بإدامته.
ويعد التذهيب للقبة والمئذنتين من أشهر الآثار التاريخية للمرقد العَلَوي المقدس، والذي عمل عليه أكثر من مائتي صائغ ونحاس جمعوا من عدة أقطار ، منهم الصيني والهندي والتركي والفارسي والعربي وأكثرهم مكتوبة أسمائهم على الصفائح النحاسية وراء الذهب وقد طليت كل قطعة على ما ذكر بعض الصاغة المباشرين لإصلاحه بمثقالين من الذهب الخالص.
وبسبب اختلاف حجم الصفائح التي تغطي القبة -حيث تصغر الصفائح كلما صعدت الى القمة- لا يمكن حساب العدد بشكل دقيق من خلال تحديد العدد في طول القبة وعرضها وزاوية ميلها، لذلك اختلفت الأقوال في عددها بين 8787 صفيحة كما ذكر الحكيم وعبد الرحيم مرزه، و 7777 صفيحة كما ينقل البعض، و 8888 صفيحة التي ذكرها لنا الحاج أبو يوسف المعمار في لقاء خاص معه وقال: إن عدد الصفائح الذهبية فوق كتيبة المينا (الشريط الممنطق للقبة) وحتى القمة بلغ (8888) صفيحة وقد عدها بيده كما ذكر، وأضاف أن العمل بقي متأخراً لعدة سنين في التذهيب، وقد بلغ وزن الذهب المصروف للعملية (63)كيلوغرام، ونقل لنا السيد عباس أحمد علي الموسوي مدير إحصاء النجف السابق أنه رأى مطبوعاً في تركيا ذكر أن عدد الصفائح الذهبية الذي يغطي القبة بلغ 9990 صفيحة حسب إحصاء مجموعة من المهندسين بشكل دقيق.
وقد بلغ عدد الصفائح الذهبية تحت الشريط المطوق للقبة 2676 صفيحة مختلفة الأحجام والقياسات، حسبما وقفنا عليه من عدها ضمن إيوان وشباك متجاورين وضربها في (12) باعتبار وجود اثني عشر إيواناً وشباك، عدا الأشرطة الرفيعة المغلفة لإطار الشبابيك ونقشها.
شريط القبة
يطوق القبة الشريفة من الخارج شريط من المينا الزرقاء بارتفاع(1.46م)، نقشت عليه بحروف ذهبية بارزة آيات كريمة من سورة الفتح (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا* وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ...)، وقسمت مساحة الشريط طولياً إلى(97سم) في الوسط لكتابة الآية القرآنية الشريفة، وشريط في الأعلى وآخر في الأسفل بارتفاع (24)سم، كتبت عليه آبيات من الشعر الفارسي، والتي من أجلها رفع النظام المباد (نظام صدام) الشريط بأكمله من على القبة الشريفة.
إن آيات القرآن الكريم لشريط القبة نقشت على قطعتين من النحاس متعامدة تطوق القبة الشريفة، يبلغ ارتفاع كل قطعة (49)سم، فيما يختلف عرضها من واحدة إلى أخرى بين (22.5) - (33.5)سم.
أما قطع النحاس في أعلى وأسفل الآيات القرآنية والتي كتبت عليها أبيات من الشعر الفارسي، فكانت على شكل مربع يبلغ طول ضلعه بشكل عام (24.5)سم.
ومن خلال البحث والمتابعة عثرنا على اللوحة الأخيرة من حزام القبة دون عليها تاريخ العمل والعاملين، فهناك كتابات فارسية تعني بالعربية: (الحمد لله تعالى، نحن أولاد الإماء والعبيد محمد قلي محمد .
المآذن الذهبية (المنائر)
تقع المئذنتان الذهبيتان على جانبي الإيوان الذهبي -المدخل الرئيسي لرواق الحرم- ضمن منطقة فناء الحرم(الطارمة)، وتعتبران مع القبة من أجمل وأهم الأجزاء المعمارية في الروضة العتبة العلوية، حيث إن المآذن من العناصر المعمارية البارزة في عمارات المشاهد المقدسة والروضات المطهرة.
تستند كل مئذنة على قاعدة ترتفع عن أرضية فناء الحرم بـ(2.4 م)، والقاعدة متعددة الأضلاع مكسوة بالمرمر يبلغ قطرها(3م).
يصل ارتفاع المئذنة إلى(29م) وهي على شكل اسطوانة يقل قطرها كلما ارتفعت، وفي ثلثها العلوي أحيطت المئذنتان بشريط عريض كتب عليه آيات قرآنية بصفائح ذهبية على المينا الزرقاء، وفوق الشريط توجد مقرنصات ذهبية بارزة ومتدرجة ذات شكل غاية في التناسق والجمال، ثم تليها شرفة المؤذن التي يصل ارتفاعها إلى(2.25 م) وقطرها عند قاعدتها(1.8م) وقطرها من الأعلى(1.25م) وفيها 12 نافذة مفتوحة على جميع الجهات، ويعلو شرفة المؤذن اسطوانة رفيعة يصل قطرها إلى أكثر من متر واحد تقريباً، ترتفع إلى أربعة أمتار وتنتهي بقبة ذهبية مفصصة، يعلوها عمود يتضمن كرتان معدنيتان مطليتان بالذهب، ويحمل على قمته لفظ الجلالة المذهّب، ويبلغ ارتفاع هذا العمود مع لفظ الجلالة(1.6م).
وكل مئذنة من أعلى قاعدتها وحتى قمتها مغلَفة بالصفائح المطلية بالذهب الخالص، ومعظم الأجزاء الذهبية ذات هيئة معينية طول ضلع الصفيحة الواحدة(19.5سم)، وقد وقفنا على حساب عدد الصفائح الذهبية للمنارة الجنوبية فكان حوالي(2000) صفيحة لكل منارة .
وفوق قاعدة المئذنتين التي غلفت بالمرمر يبتدأ التذهيب بشريط نقشت عليه أبيات شعرية تؤرخ لسنة التذهيب، حيث أرخ على المئذنة الشمالية المجاورة لقبر العلامة الحلي(قدس سره) بأبيات فارسية وذُكر اسم كاتبها(محمد جعفر سنة 1156هـ)، أما المئذنة الجنوبية المجاورة لقبر المقدس الأردبيلي (قدس سره)، فكتب عليها هذه الأبيات مؤرخة تذهيب المنارة:
وَيعْجَبُ كلُّ نورٍ مِنْ سَناهُ *** كما شَمْسُ الضحى بل صارَ أنور
تَنَوّر عسجداً بمنارِ عزٍ *** يدومُ بقاؤهُ والليلُ أَدْبر
نهارُ مسرّةِ الأمثال أضحى *** بذلك صُبْحَ أفق المصرِ أسْفَر
وفازَ بذاك (نادرُ) كلِّ عَصّرٍ *** فسبّحَ ثم هَلّلَ ثم كَبّر
وقامَ مؤذنُ التأريخِ فيه *** يُكرّرُ أربعاً (الله أكبر)
وتاريخ تشييد المآذن وإن كان غير ثابت على وجه التحقيق، إلا إنهما من غير شك من الطراز الصفوي ويرجعان إلى عهد الشاه عباس، فهما من طراز البناء الأصلي للمشهد، وقد شملهما إصلاحات السلطان نادر شاه عام (1156هـ) الذي زار النجف الأشرف حينها، حيث أمر بإزالة القاشان(البلاط المزجج) الذي كان يغلف القبة والمئذنتين والإيوان الكبير واستبدلها بالصفائح المطلية بالذهب، من خلال جلب المختصين بهذا العمل، وإن هذه العملية كلفت أموالاً طائلة.
وحدثت إجراءات عدة لإصلاح المئذنتين بعد تذهيبهما من قبل نادر شاه، الأولى بأمر الحاج محمد حسين خان الاسبهاني وزير فتح علي شاه سنة (1236هـ)، لتضعضع بعض جوانبهما وتساقط الصفائح الذهبية، وأصلحت المئذنة الجنوبية المجاورة لمرقد المقدس الاردبيلي في سنة(1281هـ) بأمر السلطان عبد العزيز خان العثماني بعد قلع صفائحها الذهبية وهدمها بالكامل وإعادة بنائها وإرجاع صفائحها الذهبية، فيما أصلحت المئذنة الشمالية المجاورة لمرقد العلامة الحلي سنة(1315هـ) بأمر السلطان عبد الحميد خان العثماني بعد قلع صفائحها الذهبية وهدمها إلى النصف وإعادة بنائها وإرجاع الصفائح الذهبية، وقد تم الانتهاء من العمل في العاشر من جمادى الثانية سنة(1316هـ).
وأصلحت المئذنة الجنوبية مرة أخرى في شهر جمادى الأول سنة(1352هـ) بهدم القسم العلوي منها وإعادة بنائها وعلى نفقة مديرية الأوقاف في الحكومة العراقية، فيما أصلحت الشمالية مرة أخرى ومن قبل الأوقاف أيضاً سنة(1366هـ) بهدم القسم العلوي منها وإعادة بنائها، وكان ذلك بناءاً على تقارير المهندسين المختصين الذين زاروا النجف الأشرف لهذا الغرض.
وأشار الشيخ جعفر أنه في أوائل سنة(1367هـ) قلع الصفيح الذهبي من المنارة الشمالية أجمع وهدم أعلاها وأعيدت على حالتها السابقة، وكان الفراغ من العمل آخر شهر رجب من نفس السنة.
ساعة الصحن الشريف
تعتبر ساعة الصحن الشريف من الساعات الفريدة من نوعها والمتميزة بضخامتها، تأخذ قمتها شكل قبة مذهبة [1] تحتوي في باطنها على أجراس ضخمة عددها ثلاثة تسمع دقّاتها كل ربع ساعة، وتقوم هذه القبة على أعمدة مذهّبة تشكل فيما بينها ما يشبه الاواوين المقوّسة وعددها ثمانية، تستند هذه الأعمدة على مساحة مربعة تمثل سقف الغرفة الرئيسية للساعة التي تحتوي على ماكنتها.
والماكنة انجليزية الصنع أرسلت سنة (1305هـ) من الوزير الإيراني أمين الملك أحد رجال السلطان ناصر الدين شاه القاجاري، وهي ذات شكل مستطيل طولها حوالي مترين، مثبتة على ارض الغرفة بشكل أفقي، يرتفع منها قضيب عمودي يرتبط بأربعة قضبان أفقية تنقل الحركة من الماكنة إلى الوجوه الأربعة الخارجية للساعة، كما يرتبط بالماكنة رقّاص ضخم يتدلّى منها إلى الغرفة السفلى التي تلي غرفة الماكنة، وفي الغرفة السفلية هذه توجد السلالم التي توصل إلى قلب الساعة.
يبلغ ارتفاع برج الساعة الكلي من سطح الطابق الثاني للسور الطابوقي إلى لفظ الجلالة الموضوع على قمة القبة الذهبية للساعة(14،75م) والبرج مصنوع أساسا من الخشب، وقد تم تدعيمه بواسطة الحديد الصلب بشكل محكم ضمن مشروع تأهيل وصيانة ساعة العتبة، كما تم اكساء جدران البرج بالكاشي المعرق المزخرف بعدد كبير من النقوش والكتابات المميزة، حيث كتب على وجهه الشمالي: (اشهد أن عليا حجة الله) كما كتبت المقولة النبوية: (علي مع القران والقران مع علي) وكتب أيضا: (يا عز من لا عز له)، أما على الوجه الشرقي فقد كتب: (اشهد أن عليا ولي الله) كما كتبت المقولة النبوية: (علي وشيعته هم الفائزون) وكتب أيضا: (يا عماد من لا عماد له)، أما على الوجه الغربي فقد كتب: (اشهد أن عليا ولي الله) وكتبت المقولة النبوية: (علي مع الحق والحق مع علي) وكتب أيضا: (يا ذخر من لا ذخر له)، أما على الوجه الجنوبي فقد كتب: (اشهد أن عليا حجة الله) وكتبت المقولة النبوية: (علي راية الإيمان ومنارة الهدى) وكتب أيضا: (يا غوث من لا غوث له)
أبواب الدخول للضريح المقدس
يمكن الدخول إلى الضريح المقدس من جهات الأروقة الشمالية والشرقية والجنوبية أما الجهة الغربية (جهة الرأس الشريف) فهناك شباك يطل على الرواق لا يمكن النفاذ منه، يبلغ ارتفاعه (3م) وعرضه (2،20م)، على انه قد ذكر بان هنالك بابين عند الرأس الشريف(قلعا سنة 1366هـ)يفضيان إلى الرواق الغربي، أحدهما من جهة الشمال نصب يوم الثلاثاء رابع ربيع الثاني سنة (1316هـ) وكانت الباذلة لنفقته بنت أمين الدولة زوجة علي شاه، ونصب الآخر يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الثاني سنة (1318هـ) والباذل لمصروفاته الحاج غلام علي المسقطي.
أبواب الفضة في الجهة الشمالية
يوجد بابان من الفضة المنقوشة يبلغ طول كل منهما حوالي(3،25م) وعرضه(2م)، ولم يذكر اسم المتبرع لهما، وقد تكون يد محو التواريخ قد طالتهما، ولكن يوجد نقش على الإطار الأيمن للبابين في الأسفل: (عمل النقاش خليل الحارس وزخرفة حيدر الشيباني النجف الأشرف (1417هـ)) وهو تاريخ حديث لترميم النقش والزخرفة.
والبابان متجاوران يقعان مقابل الضلع الشمالي للضريح الطاهر تماما، وهما مليئان بالنقوش النباتية الدقيقة وإطاريهما كذلك.
ولقد أشار الشيخ جعفر إليهما وذكر أنه قد سبقهما باب من النحاس الأصفر قلع سنة (1366هـ) وجعل مكانه البابان اللذان كانا عند رأس الإمام (عليه السلام) ، واللذان ذكرناهما في مقدمة الموضوع ضمن الجهة الغربية (الرأس الشريف).
أبواب الذهب في الجهة الشرقية
في هذه الجهة وهي الرئيسية للدخول إلى الضريح المقدس، نصبت في سنة (1376هـ) بعد رفع الأبواب القديمة بابان من الذهب الخالص يواجهان باب الإيوان الذهبي، تبرع بهما المرحوم محمد تقي اتفاق الطهراني وبواسطة السيد محمد كلانتر (قدس سره)، حيث كتب في شريط أسفل الباب: (وله الحمد على ما وفقني لتوجيه عواطف الأخ الحاج(محمد تقي الاتفاق) إلى إنشاء هذا الباب فاستقبلت دعوتي روحه العلوية فأنفق في سبيله -من خالص ماله- وأنا الراجي محمد الموسوي كلانتر).
وهما غاية في الجمال ودقة الصنعة والفن النادر، يبلغ ارتفاع كل منهما(3.25م) وعرضها(2م).
وكتبت مجموعة من الآيات القرآنية بالمينا على واجهة البابين هي: (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا {الإنسان/8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) مضافا إلى الأحاديث الشريفة التالية: (أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، من لم يقل علي خير الناس فقد كفر، هذا وصيي وموضع سري، من أطاع عليا فقد أطاعني، علي الصديق الأكبر، أنت أخي ووارثي، علي مني وأنا من علي، أنا وعلي حجة الله على عباده، علي أول من آمن بي، علي وليكم من بعدي، هذا علي بن ابي طالب لحمه لحمي ودمه دمي، انت اخي في الدنيا والاخرة)، ويتوسط مصراعي البابين كتيبة عمودية من المينا الزخرفة المطعمة بالذهب كتب في أولها: (الله جل جلاله هو العلي الأعلى) ودونه كتبت القصيدة التالية:
صرح تكلل باللآلي والدرر *** للمرتضى حارت بصنعته الفكر
لن تخرق الأبصار نور جماله *** ولو استحالت هذه الدنيا بصر
الله أبدع صنعه لطفا على *** أيدي الملائك لا على أيدي البشر
هذا النعيم وجنة الخلد التي *** وعد الكتاب بها وحدّثت الفكر
تفد الملائك من حظائر قدسها *** لتطوف حول ضريحه زمرا زمر
لله خير بنيّة قدسيّة *** دامت مدى الأيام خالدة الأثر
فكأن نور الكهرباء خلالها *** شهب السماء كأن مرقده القمر
والشمس مصدر هذه الأنوار نور أخي النبي أبي الميامين الغرر
أما الأبيات الشعرية التي طوقت واجهة الأبواب، فقد خط على الباب الشمالي قصيدة للعلامة السيد موسى بحر العلوم هي:
أوتيتَ سُؤْلَكَ فاسْتأْنِفْ من العمل *** يا مَنْ أتى زائراً قبرَ الإمام علي
نهضت للحق تستهدي مراشده *** والحق اوضح من نارٍ على جبلِ
هذا الوصي ولا يخفى له اثرٌ *** وكيف يخفى وسر الله فيه جلي
كذكره قبره لا ينمحي أبدا *** كأنه سرمدي في البقا أزلي
تكسو من الذهب الإبريز قبته *** يد الولاء حلة من أجمل الحللِ
صفراء يفعل بالألباب منظرها *** فعل المدام بلبّ الشارب الثملِ
شمسٌ من النجفِ الأعلى يشع سنى *** يضيق عنها نطاق الأعين النُجُل
إن قلت شمس الضحى قالوا اعد نظراً *** الشمس ذات زوال وهي لم تزلِ
تقدّست قبة ضمت قرارتها *** خير الوصيين تالي سيد الرسلِ
حضيرة القدس والأملاك تسكنها *** اجل فثم نعيم دائم الأكلِ
يسودها الصمت لم يسمع بحضرتها *** من الجلال سوى أنشودة القبلِ
انشودة لم يوقع لحن نغمتها *** إلا شفاه ذوي شوق بلا ملل
نهوي القلوب عليها غير أن لها *** من الزحام يد الوفّاد لم تصلِ
تحمّلوا السفر المضني لبلغتها *** على رواحل لم تشكو من الكللِ
كأن وعثائه من فرط وجدهم *** روح وعلقمه أحلى من العسلِ
ميمّمين مقاما لا تكفكفهم *** عنه عوامل فقر أو أذى عللِ
محط آمالها قبر الوصي إذا *** باءت أماني ذوي الحاجات بالفشلِ
فلست تنظر ممن حل بقعتها *** إلا إلى ذاكرٍ لله مبتهلِ
ولابن جعفر موسى حاجة بسوى *** تاريخ أبواب هذا البيت لم تُنل
لله كعبة قدس بالغري سعت *** لها الملوك على الهامات والمقلِ
سعيا تحفّزها الآمال طامحة *** وأخيب الناس من يسعى بلا أمل
قامتْ على بابِها تدعو مؤرخةً *** لُذْنا ببابِ أميرِ المؤمنين علي (1376هـ).
أمّا التي على الباب الجنوبي فهي:
أيُّها الراجون للهِ رضا *** يومَ لا ينفعُ مالٌ وبنونا
دونكم قبر ابن عم المصطفى *** قالع الباب ومردي الظالمينا
انه الجنة والدار التي *** وعد الله لالعباد المتقينا
فاخلعوا النعل بواد دونه *** شرفا وادي طوى او طور سينا
عنده الله تجلى نوره *** لذوي الابصار فازدادوا يقينا
ورأوا من جلوات الحق ما *** عشيت عنه عيون المبطلينا
وسقاهم ربهم من خمرة الــــقدس كأٍسا لذة للشاربينا
ثمة الحق فخذ في وصفه *** وتعالى الله عما يصفونا
بل نفوس خلعت ابدانها *** وقلوب ركبت فيها عيونا
ورجال عجنت طينتهم *** بولا آل الرسول الاكرمينا
بذلوا لله زلفى فيهم *** كلما كان نفيسا وثمينا
يالها مأثرة قاموا بها *** جدعوا فيها انوف الحاسدينا
وتلوا اية قل موتوا فان *** يعش الحساد عاشوا صاغرينا
فبحمد الله ماتوا كمدا *** وعلى الاعقاب ردوا خاسئينا
ظهر الحق مبينا وسعت *** دولة الباطل الا يستبينا
وعلا نور الهدى من نهجه *** وبنيه رغم انف الجاحدينا
سمعت فيهم رجال ما اتى *** من رسول الله في الاسلام دينا
فجزاهم ربهم من فضله *** واياديه جزاء السامعينا
هذه الجنة والاملاك من *** حوله اصطفت شمالا ويمينا
شيدوا ابوابها واستفتحوا *** بعلي المرتضى فتحا مبينا
وكسوها حللا من ذهب *** فاقع اللون تسر الناظرينا
فعلى اسْمِ اللهِ أرَخّ وتلوا *** أدخلوها بسلامٍ آمنين (1375هـ)
وقد سبق وجود هذين البابين الذهبيين بابين من الفضة، اليمنى منهما نصبت سنة (1283هـ) في زمن السلطان عبد العزيز وكان الباذل لنفقته لطف علي خان الإيراني، أما الباب الذي على يسار الداخل إلى المرقد المقدس نصب سنة(1287هـ) أي في السنة التي زار السلطان ناصر الدين شاه القاجاري المرقد الطاهر، وهو الذي أهداه إلى المرقد الشريف كما هو مكتوب عليه حينها.
الباب في الجهة الجنوبية
كان هذا الباب سابقاً شباكاً يطل على الرواق فحوّر إلى باب عام (1994م)، تبرع البهرة بتغليف إطاره وحوافه بالفضة الخالصة، ويبلغ ارتفاعه (3)م وعرضه (2.6)م، فيما وجدنا نقش على الشباك الفضي ـ الذي أصبح باب ذا مصراعين أخيراً ـ الكتابة التالية (عمل النقاش خليل عبد عون الحارس وصياغة الحاج مهدي الصائغ (1419هـ
الحرم الداخلي
الحرم الطاهر حصن مربع الشكل طول ضلعه (13،30م)، وتبلغ مساحته(176،89)م2، تعلوه القبة الشريفة التي تستند على أربع ركائز، وأشار التميمي في مشهده إلى أن أقدم أثر موجود يرجع تاريخه إلى سنة 1121هـ، والبعض الآخر يرجع تاريخه إلى زمن نادر شاه، ويوجد في الحرم من جهة الرأس الشريف في الدعامة المقابلة للقبلة بيت شعري يوافق تاريخه لسنة 1204هـ
قل لمن يسأل عن تاريخها *** وهي صرح من قوارير ممرد
وهو تاريخ وضع المرايا الموجودة عند الرأس الشريف فقط، ولكننا لم نجد البيت الشعري المتقدم أو تاريخه، حيث يحتمل أن يكون رفع بسبب التعمير المستمر للروضة العَلَوية.
أنشئت المرايا الملونة الموجودة والريازة الرائعة في الضريح الطاهر بعد زمن الشاه صفي الصفوي، حيث كان الضريح قبل ذلك مكسواً بالحجر القاشاني مما طمس أكثر التواريخ المهمة لتشييد العمارة العَلَوية.
يغلف المرمر الأخضر جدران الحرم الداخلي– وهو من نفس النوع الذي يغطي الأرضية- إلى ارتفاع(2.10م) من الأرض، وهو مزين بنقوش هندسية بارزة مكتوب بينها على مسافات متباعدة كلمة (علي) بالمرمر الأحمر، وعند الأركان توجد أعمدة من نفس المرمر منحوتة بشكل ضخم ومتقن مزين بنقوش نباتية، أما ما تبقى من الجدران -ابتداءا من المرمر وحتى السقف- فهي مغلّفة بالمرايا المزينة والمنقوشة، وهي تتميز بشكل رئيسي بأربعة أواوين كبيرة تحيط بالضريح المطهر من الجوانب الأربعة، نذكر تفاصيها كالآتي:
1- الايوان الغربي:وهو الإيوان الذي يقع في وسطه الشباك الفضي المفضي الى الرواق الغربي من الحرم، في الجبهة العلوية من هذا الإيوان يوجد إيوان صغير مزجج تتدلى من قوسه العلوي أشكال مخروطية مقلوبة مزججة، وتوجد في وسطه بقعة مزخرفة من الكاشي الكربلائي الأبيض مكتوب عليها أبيات للشاعر العمري هي:
أنت ثاني الاباء في منتهى الــــدور وآباؤه تعد بنوه
خلق الله ادما من تراب *** فهو ابن له وأنت أبوه
وعلى الجبهة الوسطية من الايوان الغربي توجد لوحة صغيرة مصنوعة من الزجاج الاحمر الداكن منقوش عليها صورة رجل يريد اصطياد غزال هارب، ولعل هذه الصورة تشير الى الحادثة التاريخية التي وقعت لهارون العباسي والتي ادت الى اكتشافه لقبر الامام امير المؤمنين(ع) أول مرة.
يطوق الايوان الغربي من الاعلى شريط كبير من القاشاني المعرق ذي اللون الازرق المتميز، وهذا الشريط يبدأ من الزاوية الشمالية الغربية من الحرم وينتهي الى الزاوية الجنوبية الغربية منه، ثم يتصل بشريط اخر من هذه النقطة لينتهي الى الزاوية الجنوبية الشرقية بعد تطويقه للايوان الجنوبي على نفس النسق في الايوان الغربي، وهكذا الى ان يعود هذا الشريط الى الزاوية الشمالية الغربية من حيث بدأ، وقد كتب على هذا الشريط سورة الدهر، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) وقوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) و قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، وهذا الشريط وأعمال التزجيج المحيطة به من المنجزات الأخيرة في تطوير العمارة المشرفة لحرم أمير المؤمنين(ع(
2- الإيوان الجنوبي: وهذا الإيوان يختلف عن باقي أواوين الحرم بقلة التعقيد في تصميمه، وان كان يضم الكثير من الزخارف والنقوش الهندسية على المرايا التي تغلف جدرانه، وهو يحوي في جبهته العلوية بقعة مزخرفة من الكاشي الكربلائي-على غرار الإيوان الغربي- كتبت الأبيات التالية للشاعر السيد رضا:
ولو لم يكن في صلب آدم نوره *** لما قيل قدما للملائكة اسجدوا
ولولاه ما قلنا ولا قال قائل *** لمالك يوم الدين إياك نعبد
3- الإيوان الشرقي: يشبه هذا الإيوان تماما الإيوان الغربي المناظر له، ولكن الأبيات الشعرية التي تقع في وسط إيوانه الصغير-المكتوبه على الكاشي الكربلائي الأبيض- تعود للشاعر شيخ بن العربي هي:
رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربى
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى *** بتبليغه إلا المودة في القربى
4- الإيوان الشمالي: وهو يشبه الإيوانين الشرقي والغربي تماما، ولكن الأبيات على الكاشي الكربلائي الأبيض فيه تختلف، حيث كتبت الأبيات للشاعر العمري هي:
ياابا الاوصياء انت لطه *** صهره وابن عمه واخوه
ان لله في معانيك سرا *** اكثر العالمين ما علموه
شباك الضريح المقدس
يتوسط الحرم الطاهر شباك ضريح الإمام علي(عليه السلام)المصنوع من الذهب والفضة، مزين بأروع النقوش الإسلامية وبدائع الصور النباتية المنقوشة بالذهب الخالص، وهو كما ذكر الشيخ جعفر (أغلى من الأول وأثمن على نفقة إمام البهرة سيف الدين وقد صيغ في الهند بمدة تزيد على خمس سنين، بلغ مجموع ما صرف عليه ثمانين ألف دينار، وفيه عشرة آلاف وخمسمائة مثقال من الذهب الخالص ومليونان مثقال من الفضة ، أيده بقوله هذا التميمي ,بينما ذكر الحكيم عن جريدة الهاتف أن الشباك قد احتوى على ثمانية آلاف وسبعمائة وخمسين مثقالاً من الذهب الخالص، وعلى مليون وخمسمائة ألف مثقال من الفضة، وأضاف الشيخ جعفر (وقد كان يوم رفع الستار عن هذا الشباك وهو يوم ثالث عشر رجب 1361هـ يوماً عظيماً خطيراً حضره رئيس الوزراء نوري السعيد والسيد عبد المهدي المنتفكي وزير الأشغال وكثير من الأعيان والأمراء والزعماء. وهذا الشباك الجديد أكثر ذهباً وفضة من الشباك الأول ولكن القديم أبدع صناعة وأكثر نقش وأغلى صياغة، وكان فيه من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة شيء كثير)، وأشار إلى الابتداء بقلع الشباك القديم في سنة 1361هـ في أواخر شهر ربيع الأول, يعتبر الضريح المقدس رائعة من روائع الفن الإسلامي، فبالإضافة إلى قيمته المادية فانه يضم الكثير من بدائع فن صناعة الذهب والفضة والترصيع بالمينا المتعددة الألوان، ومن جهة الدخول إلى داخل صندوق القبر الخشبي وضمن أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وفي نهاية الجبهة(عند الضلع الجنوبي) كتب: (الحمد لله الذي بتوفيقه تقرب إلى الله الملك الحق المبين والى وليه علي أمير المؤمنين إمام المتقين العابد لربه حتى أتاه اليقين وصي محمد سيد المرسلين المجموع إلى ميقات شرفه شرف الآخرين والأولين بعمل هذا الضريح المحفوف بالملائكة المقربين بالفضة الخالصة والذهب الإبريز الثمين عبد الله وعبد وليه أمير المؤمنين الداعي إلى حب آل محمد الطاهرين أبو محمد طاهر سيف الدين من بلاد الهند سنة ألف وثلاثمائة وستين هجرية 1360هـ)
وقد جدد ورمم الشباك القديم عدة مرات ثم رفع لينصب الشباك الحالي، حيث وضع على المرقد الطاهر شباك من الفضة في سنة 1202هـ ، وجدد بأمر محمد خان القاجاري مؤسس الدولة القاجارية في سنة 1204هـ
,وقد أرخ الأديب البارع السيد صادق الفحام النجفي بأبيات مثبتة في ديوانه المخطوط إصلاحات كانت في سنة 1203هـ للشباك الفضي فقال:
للهِ صندوقٌ بديعٌ صَنْعهُ *** ليسَ له في الحسن مِنْ مُضاهي
أودَعَه صانِعُهُ عجائباً *** تجل عُّن حصرِ وعنْ تناهي
إلى أن قال مؤرخا:
لذاكَ قَدْ قُلْتُ به مؤرخاً *** قد جددتُ فيه علمَ اللهِ
وفي سنة 1211هـ أرسل السلطان محمد شاه القاجاري شباكاً بصحبة الفقيه أغا محمد علي الهزارجريبي، وعد من مآثر السلطان القاجاري محمد شاه، وذكر الشيخ محمد الكوفي إنه في عام 1236هـ، تخلخل شباك أمير المؤمنين فقلعوه وأضافوا إليه كميات من الفضة وجددوه على محله وردوه، وفي سنة 1262هـ جدد الشباك بأمر المعتمد عباس قلي خان وزير محمد شاه بن عباس شاه بن فتح علي شاه، والذي كتب في أعلاه أبيات من عينية ابن أبي الحديد، وأبيات أخرى للسيد الحميري، وللشيخ إبراهيم صادق العاملي، وفي سنة 1298هـ جدد الشباك على نفقه مشير السلطنة السيد محمد الشيرازي (أحد رجال ناصر الدين شاه القاجاري) وكتب اسمه مع تاريخه على باب الشباك الذي كان على هيئة المحاريب،وأشار التميمي إلى هذا الشباك فقال: (وضع على الصندوق شباك من الحديد الفولاذي وعليه شباك من الفضة كان قد تبرع به الحاج مشير الشيرازي، كتب عليه بخط جميل كاتبه محمد علي الأصبهاني سنة (1298هـ)، وقد كتب على جبهته العليا قصيدة لابن أبي الحديد سنأتي على ذكرها بالكامل في موضوع (القبة الذهبية الشريفة)
يا برق إن جئت الغري فقل له *** أتراك تعلم من بأرضك مودع
وقصيدة العلامة الشيخ إبراهيم بن الشيخ صادق العاملي:
هذا ثرى حَطِّ الأثيرِ لقدرِه *** ولعزِه هامَ الثريا يَخْضَعُ
فيما كتب على جوانبه بعض الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى، ونصبت على أركانه الأربعة رمان من الذهب)
وإليك الأبيات الشعرية الرائعة التي وصفت أمير المؤمنين (عليه السلام) وضريحه الطاهر للشيخ إبراهيم صادق العاملي المتوفى سنة 1283هـ، والتي كانت مكتوبة على الشباك القديم منها:
هذا ثرى حَطِّ الأثيرِ لقدرِه *** ولعزِه هامَ الثريا يَخْضَعُ
كشّافُ داهيةِ القضاءِ عن الورى *** بعزائمِ، منها القضاءُ يروعُ
حزامُ أحزاب الضلالِ، بصارمٍ *** مِنْ عزمِهِ صبحُ المنايا يَطْلَعُ
عَمّ الوجودَ السابغ الجود الذي *** ضاقتْ بأيديه الجهاتُ الأربعُ
أنىّ تساجِلُه الغيوثُ ندىً ومِنْ *** جَدْوى نِداه كلَّ غيثٍ يهمعُ
أم هل تُقاسُ به البحارُ، وإنّما *** هل مِنْ ندى أمواجه تتدفعُ
فافزعْ إليه مِن الخطوبِ، فإنَّ مَنْ *** ألقى العصا بفنائِه، لاَ يَفْزَعُ
وإذا حلَلْت بطور سينا مجدَه *** وشهدت أنوارَ التجلي تَلْمعُ
فاخلعْ، إذنْ، نعليْكَ إنّكَ في طوى *** لجلالِ هيبتِهِ فؤادُك يُخلَعُ
وقُلْ: السلامُ عليك يا مَن فَضْلُه *** عَمَّن تمسّكَ بالولا، لا يَمْنَعُ
مولاي، جُدْ بجميلك الأوفى على *** عبدٍ له، بجميلِ عفوِك، مَطْمَعُ
يرجوك إحساناً ويأملُكَ الرضا *** فضلاً، فأنت لكلِ فضلٍ مَنْبعُ
ثم جاء الشباك الحالي الذي ذكرناه في المقدمة، وفي سنة 1985م قامت الحكومة العراقية بتذهيب الضريح الشريف وتوشيحه بالحرير الطبيعي المشغول بالذهب الخالص
يبلغ ارتفاع الضريح المقدس من الأرض وحتى قمة التاج الذهبي حوالي(4م) ويبلغ طوله(6،35)م وعرضه(5،10)م، ويمكن تقسيمه إلى جزئين رئيسيين، الأول هو الشباك الفضي والثاني هو التاج الذهبي الذي يعلوه.
أما الشباك الفضي فهو عبارة عن(13) نافذة تشبه الإيوان مغلفة بنسيج من الكرات الفضية المنضودة مع بعضها بقضبان قصيرة بحيث يمكن للزائر أن يرى المرقد الشريف من خلف هذه النوافذ، وأعلى كل واحدة منها مطوّق بقوس فضي منقوش بزخارف نباتية بارزة كثيرة وفي وسط كل جانب من القوس كتب (يا علي)
يتضمن الضريح من الجهة الشرقية والغربية أربعة نوافذ، ومن الجهة الشمالية خمسة نوافذ أما من الجهة الجنوبية فهناك أربعة نوافذ والخامسة جعلت باباً للدخول إلى داخل الضريح المقدس، وتفصل بين كل هذه النوافذ أعمدة مزخرفة بطريقة رائعة، وهي مصنوعة من الفضة الخالصة ايضا، أما عند أركان الشباك الفضي فتوجد أربعة أعمدة في كل ركن مزخرفة بنقوش نباتية وعناقيد العنب البارزة بالإضافة إلى مقولة: (وهو العلي العظيم)
وفوق الشباك الفضي توجد كتيبة تطوق الشباك معظمها من المينا المطعمة بالفضة، مكتوب عليها أبيات من قصيدة ابن أبي الحديد العينية.
أما التاج الذهبي الذي يلي الشباك الفضي مباشرة فهو يتكون أولا من كتيبة ذهبية كتب عليها آيات من القرآن الكريم بحروف بارزة وخط متداخل، تعلوها كتيبة مرتفعة من الذهب ذات هيئة شبه مقعرة تحوي نقوشاً نباتية بارزة، ثم تليها كتيبة ذهبية مستوية نقش عليها أحاديث نبوية شريفة في مدح أمير المؤمنين(عليه السلام) فوقها تقوم (104) وردات ذهبية نقش على كل واحدة منها اسم من أسماء الله الحسنى موزعة على الأضلاع الأربعة، وعند أركان التاج الذهبي تقوم أربع رمانات من الذهب الخالص.
وبعد ذلك ترتفع كتيبة ذهبية ضخمة محدبة تحوي نقوشا نباتية على هيئة عناقيد وأواني ذهبية، تعلوها كتيبة مقعرة على شكل أوراق نباتية مقعرة تليها كتيبة نقش عليها سورة الرحمن منصوب فوقها(96) قنديلا ذهبياً وزّعت على الأضلاع الأربعة للتاج الذهبي.
وهذا وصف تفصيلي لما كتب من آيات وأحاديث وأبيات شعرية لكل جبهة من شباك الضريح المقدس:
أولاً الغربية:
على الكتيبة الذهبية العلوية التي تحت القناديل نقشت بداية سورة الرحمن الى قوله تعالى: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
وعلى الكتيبة الذهبية الوسطية التي تقع تحت الورود المنقوش عليها أسماء الله الحسنى كتبت الأحاديث الشريفة التالية:
1- قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أنا مدينة العلم وعلي بابها.
2- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): أقضاكم علي.
3- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة من بعدي.
4- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): النظر إلى وجه علي عبادة.
5- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): أنا المنذر وعلي الهادي.
6- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): علي مني بمنزلة روحي من بدني.
7- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إن علياً كنفسي.
8- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار.
9- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): علي مني يؤدي دَيني ويقضي عداتي.
10- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي مني وأنا منه ولا يقضي عني دَيني إلا أنا أوعلي.
11- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): علي خير البشر ومن أبى فقد كفر.
12- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): من زعم أنه آمن بي وبما أنزل علي وهو يبغض علياً فهو كاذب ليس بمؤمن.
13- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): كذب من زعم إنه يحبني ويبغض علياً من أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله.
14- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): من سبّ علياً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله لا والله لا يخلص الإيمان إلى قلب عبد حتى تخلص مودتي إلى قلبه ولا تخلص مودتي إلى قلب عبد حتى تخلص إليه مودة علي وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض علياً.
أما الكتيبة الذهبية التي تعلو الأبيات الشعرية لابن أبي الحديد فقد كتب عليها آية الكرسي المباركة.
وأخيراً كتيبة المينا التي كتب عليها أبيات من قصيدة ابن أبي الحديد والتي تطوق شباك الضريح المقدس في أوجهه الأربعة.
ثانياً الشمالية:
على الكتيبة الذهبية العلوية التي تحت القناديل نقشت تكملة سورة الرحمن: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ) إلى قوله تعالى: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
وعلى الكتيبة الوسطية الذهبية تحت الورود المنقوش عليها أسماء الله الحسنى كتبت الأحاديث الشريفة التالية:
1- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): من فارقني فقد فارق الله ومن فارق علياً فقد فارقني.
2- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن ابغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ومن أبغضه يوشك أن يأخذه.
3- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة وضعت عن يمين العرش موائد من يواقيت ولؤلؤ يجلس حولها رجال يأكلون ويشربون والناس في الحساب قال علي فقلت من هؤلاء يا رسول الله قال شيعتك يا علي وأنت إمامهم يوم القيامة.
4- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
5- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
6- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): أنت أخي ووصي وخليفتي من بعدي وأبو ولدي تقاتل على سنتي وتقضي ديني وتنجز عداتي من أحبك في حياتك فهو كنز الله له ومن أحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والأمان ومن مات وهو يحبك فقد قضى نحبه برياً من الآثام ومن مات وهو يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام.
7- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله الخلق بأربعة آلف عام فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففيّ النبوّة وفيه الخلافة.
8- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): نادى مناد من السماء يوم أحد لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار.
أما الكتيبة الثالثة الذهبية التي تعلو أبيات ابن أبي الحديد الشعرية فكتب عليها سورة الدهر من بدايتها الى قوله تعالى: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً)
ثالثا الشرقية:
على الكتيبة الذهبية العلوية التي تحت القناديل كتبت تكملة سورة الرحمن: (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الى قوله تعالى: (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
وعلى الكتيبة الوسطية الذهبية تحت الورود المنقوش عليها أسماء الله الحسنى كتبت الأحاديث الشريفة التالية:
1- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): حب علي شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده الجنة وبغض علي شجرة أصلها في النار وأغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده النار.
2- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): أنا سيد الناس ولا فخر وعلي سيد المؤمنين ولا فخر اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
3- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): صليت وعلي بن أبي طالب سبع سنين.
4- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة.
5- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت ليلة أسري بي على العرش مكتوباً لا إله إلا أنا وحدي خلقت جنة عدن بيدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بعلي.
6- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): نحن سبعة من ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين والمهدي.
7- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ما مررت بأهل سماء إلا وهم يقولون يا محمد استوص بوصيك خيراً ورأيت في ساق العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به.
8- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ياعلي أنه لن يرد على الحوض مبغض لك ومن أحبك فهو يرد الحوض معك.
9- وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إن علي بن أبي طالب ليزهر لأهل الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا.
أما الكتيبة الذهبية الثالثة التي تعلو الأبيات الشعرية لابن أبي الحديد فقد كتب عليها تكملة سورة الدهر: (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا) إلى قوله تعالى: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
رابعاً الجنوبية:
على الكتيبة الذهبية العلوية التي تحت القناديل نقشت باقي آيات سورة الرحمن: (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) الى نهاية السورة المباركة.
وعلى الكتيبة الذهبية الوسطية تحت الورود المنقوش عليها أسماء الله الحسنى كتبت الأحاديث الشريفة التالية:
1- قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): من أحب علياً بقلبه آتاه الله يوم القيامة مثل ثلث ثواب هذه الأمة ومن أحبه بقلبه وأظهر ذلك بلسانه أعطاه الله تعالى ثلثي ثواب هذه الأمة ومن أحبه وأظهر ذلك بلسانه وأعانه بيده أعطاه الله تعالى يوم القيامة مثل ثواب هذه الأمة كاملاً فمن فعل ذلك بالأئمة من ولده فقد فعله به لأن حبهم حبه ونصرتهم نصرته.
2- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي صاحب لوائي في الدنيا وهو صاحب لواء الحمد بوم القيامة فيدخل الجنة به بين يدي.
3- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما.
4- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت أول الناس بي إيماناً وآخرهم بي عهداً وأول من يصافحني يوم القيامة.
5- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.
6- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحسن والحسين إماما حق قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما.
7- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين.
8- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي أنت في الجنة معي.
9- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): شيعة علي هم الفائزون.
ثم وبنفس الكتيبة كتب تاريخ إنجاز العمل والمتبرع المتقدم الذكر.
أما الكتيبة الثالثة الذهبية والتي تعلو أبيات ابن أبي الحديد الشعرية فكتبت سورة الغاشية وسورة الانشراح وسورة الكوثر وسورة الإخلاص.
وكتب على الباب الفضي للدخول إلى صندوق القبر الشريف الآيات:
( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعون فله الأسماء الحسنى) وعلى مصراعي الباب كتبت الآيات: (ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) و(وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) و (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)، وكذلك أحاديث للرسول (أنا مدينة العلم وعلي بابها) و(أول من يدخل الجنة علي بن أبي طالب)
أعيد تذهيب شباك الضريح الطاهر بتبرع من سلطان البهرة في الهند بمشروع متكامل أشرف عليه المهندس(فلاح الصراف) رئيس قسم الصيانة في العتبة العَلَوية، حيث بوشر بالعمل بتاريخ 23/شوال/1426هـ، وذلك بإعادة طلاء التاج الذهبي للشباك وبطريقة الطرق اليدوي، مع التطعيم بالياقوت الأحمر لأسماء الله الحسنى المنقوشة على الورود الذهبية فوق الضريح الطاهر، إضافة إلى طلاء المساند الفضية الأربعة في أركان الشباك بالذهب الخالص، وقد تم افتتاح المشروع في يوم 5/شعبان /1427هـ، وذلك بمناسبة ولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
صندوق القبر الشريف (صندوق الخاتم)
في داخل الضريح المقدس يقع صندوق القبر الشريف، وهو من خشب الساج الهندي المنقوش بالعاج والصدف وأنواع متعددة أخرى من الأخشاب الملونة، فكان روعة في الصناعة والنقش وفناً في الكتابة والحفر، وقد تمت صناعته عام 1202هـ ـ 1788م، وهو نادر الوجود وضع فوق القبر الشريف، يبلغ طوله (4.83)م وعرضه (3.03)م وارتفاعه (1.83)م، تبرع به محمد جعفر بن محمد صادق من ملوك الزند عام(1202)هـ، وتجد ذلك مثبتاً على الجبهة الغربية السفلى للصندوق (قد تشرف ووفق بإتمام هذا الصندوق الرفيع خالصاً لوجه الله تعالى وإخلاصاً لوليه وأوليائه كلب عتبة علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) محمد جعفر بن محمد صادق الزند أدام الله تأييده في سنة (1202هـ)) ويشير هذا التاريخ إلى انجاز هذا الصندوق وانتهاء العمل منه، وقد كتب بخط محمد بن علاء الدين محمد الحسيني عام (1198هـ)، وهذا التاريخ يشير إلى ابتداء العمل به، فقد أشير إلى ذلك في الجهة الجنوبية المعبر عنها بالإصبعتين (كتبه محمد بن علاء الدين بن محمد الحسيني سنة (1198هـ)، فيما كان صانعه نجار شيرازي يدعى محمد حسين، فكتب على الصندوق (عمل بندخا كسار محمد حسين نجار شيرازي)، وهذه النجارة تسمى بالفن الخاتمي.
طوق الصندوق بدعاء الجوشن، وكتب في أعلى الصندوق من جهة الجنوب سورة (هل أتى على الإنسان) بالعاج الأبيض، وفي نفس الجهة نقش أيضا سورة القدر وسورة سبح اسم ربك الأعلى، وعلى الجهة الشرقية نقشت سورتي النبأ والعاديات وآية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك..)، وعلى الجهة الشمالية نقشت سورة: (تبارك الذي بيده الملك)، فيما نقش على الجهة الغربية آية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك)
غلف الصندوق بسور زجاجي لحمايته من تراكم الغبار، نصب في عام (1361هـ) عند نصب الشباك الجديد، وقد تبرع به الحاج محمد صالح الجوهرجي من صاغة مدينة النجف الأشرف، يبلغ طول السور الزجاجي(5.14)م وعرضه(3.35)م فيما يبلغ ارتفاعه(2.20)م، ووضع حول الصندوق الخشبي وداخل السور الزجاجي العديد من التحف الأثرية النادرة والقلائد المرصعة بالماس والنفائس الذهبية المطعمة بالياقوت، وتاج ذهبي مرصع بالماس والزمرد، وهنالك داخل الضريح أيضاً قنديل ذهبي مرصع بالماس والياقوت والزمرد وحبات اللؤلؤ وأثمن الأحجار الكريمة النادرة.
وقد أرخ الخطيب الشيخ حسن السبتي تاريخ وضع الزجاج قائلاً:
يا له صندوق قدّس باهراً *** ساطعاً أرّخهُ يغشاه العجاج
إن الدمار والخراب الذي طال المرقد الطاهر لأمير المؤمنين(عليه السلام) جراء استباحة المدينة من قبل جيش النظام السابق(نظام صدام) وصل حتى طال صندوق الخاتم (صندوق القبر الشريف الخشبي) الثمين بسبب الأعمال الهمجية والانتهاك السافر بحق بطل الإسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والذي تجد آثاره باقية لحد اليوم عندما تمعن النظر بصندوق القبر المقدس.
منطقة الاصبعتين
تقع منطقة الاصبعتين في الجهة الجنوبية لصندوق القبر الشريف قرب الرأس الشريف، وقد أحيط بمجموعة من الأحجار الكريمة الثمينة والحلي الذهبية التي أهديت للعتبة المقدسة من قبل الملوك والسلاطين والرؤساء وغيرهم، وكتب على الإطار المحيط بمنطقة الإصبعتين ضمن الصندوق الآية الشريفة (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم)، ولهذه المنطقة خصوصية ومعلومات تاريخية وقصة ذكرت في المصادر التاريخية، إذ ذكرها المحدث النوري فقال: وأما قصة مرة بن قيس فهي وان لم توجد في الكتب المعتبرة إلا أنها من الشهرة عند الشيعة بمكان لا تخفى على احد، بل قل معجزة بلغت إلى هذه الرتبة من الشيوع، وقد أشار إليها الحكيم سنائي الغزنوي في حديقته وعدّها من المناقب المسلّمات-وهو في حدود سنة الخمسمائة- وكذا الحكيم الفردوسي-وهو في حدود سنة الأربعمائة- وللمولى حسن الكاشي الاملي المعاصر للعلامة الحلي فيها قصيدة مخصوصة، وملخص هذه القصة على ما نقله الكتاب المذكور عن السيد الجليل والعالم النبيل السيد نصر الله الحائري عن المولى عبد الكريم عن كتاب تبصرة المؤمنين ورواها السيد محمد صالح الترمذي المتخلص بالكشفي من علماء أهل السنة في كتاب المناقب وقال انه ثبت ذلك بالأسانيد الصحيحة وهو: إن مرّة بن قيس كان رجلاً كافراً له أموال وخدم وحشم كثيرة، فتذاكر يوماً مع قومه في شأن آبائه وأجداده وأكابر قومه، فقيل له: إن أكثرهم قد قُتلوا بسيف علي بن أبي طالب، فسألهم عن محل قبره فدلوه على النجف، فجهز معه ألفي فارس وألوفاً من الرجالة وتوجه إلى النجف، فلما قرب من نواحي البلدة تحصّن أهلها في داخل البلدة، فحاربهم مدة ستة أيام حتى ثَلَمَ موضعاً من السور ودخل البلدة عنوةً، ففرّ الناس وخرجوا هاربين على وجوههم، وجاء حتى دخل الروضة المقدسة وخاطب صاحب المرقد، بقوله: يا علي أنت قتلت آبائي وأجدادي، وأراد أن يشق الضريح بسيفه، فخرج منه إصبعان مثل ذي الفقار فقطعه نصفين، وفي ساعته انقلب النصفان حجرين أسودين، فجاؤا بهما إلى باب النجف، وكان كل من يزور المرقد الشريف يرفسهما برجله. ومن خواص ذلك إنه كلما مر عليهما حيوان من حمار وغيره بال عليهما ومضى مدة من الزمان وكان الحال على ذلك المنوال، فجاء رجل من خدّام مسجد الكوفة وحمل القطعتين إلى باب مسجد الكوفة وطرحهما هناك واتخذهما مرتزقاً له من الزائرين والمترددين، وقال السيد محمد صالح الترمذي: حدثني الشيخ يونس وهو من صلحاء النجف الاشرف: أني رأيت عضوا من أعضائه هناك.
ويحكى عن الشيخ قاسم الكاظمي النجفي شارح كتاب(الاستبصار) إنه كان كثيراً ما يدعو على من أخرج الحجر المزبور من النجف ويقول: خذل الله من أخرج هذا الملعون من تلك العتبة المقدسة وأبطل هذه المعجزة الباهرة
وتعتبر هذه البقعة من البقاع المشرفة حيث ذكرها الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام في بحث اللعان من باب النكاح بقوله: وقد يغلظ اللّعان بالقول بذكر أسماء الله تعالى المؤذنة بالانتقام وبالعظمة والهيبة، والمكان بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة مثل ما بين الركن والمقام أي الحطيم إن كان في مكة المكرمة، وفي المسجد الأقصى عند الصخرة إن كان في بيت المقدس، وعند قبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إن كان في المدينة المنورة، وعند المكان المعروف بالأصبعين في مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام) قريباً من مكان رأسه المعظم.
مسجد الخضراء أو الخضرة
ويقع في منطقة التقاء الضلع الشمالي بالشرقي من السور الطابوقي الخارجي، ويعتبر من المساجد القديمة، ولا يُعرف سبب تسميته بجامع الخضراء، فيذكر الشيخ جعفر(لا نعلم الوجه في تسميته بهذا الاسم، ويمكن أن يكون أحدث من الحضرة الشريفة فعرف بمسجد الحضرة ثم صحّف، أو كانت فيه خضرة فعُرف بها)، و(الخضرة صنعها درويش هندي في الساحة المتصلة بالمسجد فيما يقارب عصر الملالي في النجف، واشتهر بمسجد الخضرة من ذلك التاريخ)، وهناك رأي ثالث للحاج حسين الشاكري بالتسمية(إن هذا المسجد بنته الخضراء أخت عمران بن شاهين)، علّق عليه السيد عبد المطلب الخرسان بأن هذه المعلومة لم يَذكر الشاكري مصدرها ولم يجد لها الخرسان ذكراَ في المصادر، وإن الخضراء تسمية جديدة للمسجد تعارف عليها الناس في هذا القرن بعد أن كان اسمه مسجد الخضرة.
وذكر الشيخ جعفر محبوبه أن البراقي ينسب هذا المسجد إلى علي بن مظفر النجار صاحب الرؤيا، والذي كانت له حصّة في ضيعة أخذت منه غصباً، فزار مرقد أمير المؤمنين(عليه السلام) شاكياً، ونذر أن يعمل مسجدا من ماله إن ردّت له حصته، فردت إليه لكنه غفل عن النذر فرأى في المنام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول له (يا علي يوفون بالنذر)، فأجاب: حباً وكرامةً يا أمير المؤمنين، وأصبح واشتغل في عمله، لكن السيد الخرسان يذكر أن الرؤيا والكرامة لا تدل على بناء مسجد الخضراء بل جاء في الرواية كلمة مجلس كما نقلت من(الغارات) و(بحار الانوار)، وقد نقلها الشيخ جعفر بكلمة مسجد
في شهر رجب سنة(1368هـ) هدمت الحكومة ثلثاً منه، وأخذته توسعة للطريق المحيط بالصحن الشريف من سائر جوانبه، وأخذت الكثير من المحلات والدور والمقابر لهذه التوسعة، بالإضافة إلى حمامان كبيران هما من أقدم حمّامات المدينة وأكبرها يسميان بحمّامَي الحضرة، لقربهما من الصحن الشريف وموقعهما في جهة الغرب إلى جهة القبلة
وفي ثمانينيات القرن الماضي الميلادي، أمر آية الله العظمى السيد الخوئي(قدس سره) بإعادة بناء المسجد بعد هدم البناء القديم، وسعى في إعادة بنائه وأشرف عليه الشهيد السعيد حجة الإسلام الشيخ ميرزا أحمد الأنصاري، وكان السيد الخوئي(قدس سره) يؤم الجماعة فيه، كما اتخذه مقراً لإلقاء دروسه العلمية، فقد تخرّج عليه في هذا المسجد المئات من المجتهدين الذي انتشروا في مختلف البلاد، منهم مراجع التقليد في النجف الأشرف وبعض مراجع التقليد في قم المقدسة، وعندما تدهورت صحته وترك التدريس أقام مكانه صهره آية الله العظمى السيد نصر الله المستنبط (قدس سره)، وبعد وفاة السيد المستنبط أقام السيد الخوئي(قدس سره) سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) للتدريس وإمامة الجماعة واستمر على ذلك عدة سنوات، ثم قامت إدارة الأوقاف التابعة للنظام العفلقي البائد بغلق المسجد بحجة الترميم
وللمسجد بابان، داخلي يطل على الصحن الشريف يقع في الإيوان الثالث من الأواوين الشرقية على يمين الداخل من باب مسلم بن عقيل(عليه السلام) جنب مقبرة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي(قدس سره)، يؤدي بعد مدخل صغير يطل على مقبرة السيد الخوئي(قد) من جهة وعلى المسجد من جهة أخرى، وباباً أخرى ضمن الجهة الخارجية للسور الطابوقي، والداخل منه يصل إلى ساحة تبلغ مساحتها(187متر نربع) تتخللها أمكنة للوضوء ومنشآت أخرى وفوقها طابق ثانٍ، وسقفها يتخذ شكل المثلث مصنوع من الزجاج المظلل المدعم بالإطارات الحديدية.
ومجاور هذه الساحة يقع المسجد الذي تبلغ مساحته( 166متر مربع )، أُنشأ فيه محراب نقش بالآيات القرآنية الكريمة والزخارف الإسلامية وأرخ بتاريخ(1385هـ)، وتاريخ آخر بسنة(1386هـ)، وقد كتب على احد جوانب المحراب: (لقد تم تجديد بناء جامع الخضراء تنفيذا لأمر سماحة الامام اية الله العظمى السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي(قد)، وفي الجانب المقابل من المحراب كتب الآتي: (لقد سعى في تجديد هذا الجامع المبارك الشهيد حجة الإسلام والشيخ احمد الأنصاري طاب ثراه وكان ذلك في سنة 1385هـ)
وضمن قاعة الصلاة للمسجد وعلى الواجهة التي تفصل بين الشباكين المطلين على مقبرة السيد الخوئي(قدس سره)، كتبت أبيات شعرية رائعة للدكتور محمد حسين الصغير على الكاشي الكربلائي، أحاطت بلوحة المرقد أرخت لوفاة السيد الخوئي(قدس سره) وهي:
لما اصْطَفَينْا للهُدّى مَضْجَعاً *** وأصْبَحَ الخوئي فيها دفين
ومِنْ عليّ قَدْ دنا موضعاً *** وهكذا عاقبةُ المؤمنين
نُودي فاهتزَّ لها مَسمعاً *** إنا فتحنا لك فتحاً مبين
وأنشد التاريخ لما دعا *** أُزلفتِ الجنة للمتقين
وقد كتب على لوحة المرقد الاتي:
مرقد سيد الطائفة أستاذ الفقهاء والمجتهدين سماحة المغفور له الإمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(قد) 1317هـ-1413هـ.
وفوق هذه الواجهة توجد كتيبة أخرى من الكاشي الكربلائي مكتوب عليها:
بسم الله الرحمن الرحيم" يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" صدق الله العلي العظيم.
وقد بقي المسجد مغلقاً حتى بعد سقوط النظام، ولكن المرجعية الدينية المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني(دام ظله الوارف) أمرت بإعادة افتتاحه بعد ترميمه وصيانته، فافتُتح لصلاة الجماعة في يوم الاثنين(1 جمادى أولى 1427هـ الموافق 29/5/2006م) وقد أمّ المصلين السيد حسن السيد رضي المرعشي (دام عزه) حيث أقيمت صلاتي المغرب والعشاء في هذا المسجد المبارك.
مسجد عمران بن شاهين
مساجد الروضة الحيدرية المطهرة ضمن السور الطابوقي ومعالم أخرى
وجدت عدة مبانٍ ضمن السور الطابوقي في الجهة الشمالية والشرقية والغربية، منها ما وجد قبل بناء السور الحالي كمسجد عمران بن شاهين الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الهجري، ومنها ما أنشأ بعد بناء السور الحالي أي بعد القرن العاشر الهجري.
وقد أنشئت هذه المساجد لأداء صلاة الجماعة والدروس الدينية في الروضة المطهرة، ولفسح المجال أمام الزائرين للمرقد الطاهر للدعاء والطواف والزيارة، سنأتي على ذكرها تاريخياً وبالتفصيل وما جرى عليها من إصلاحات وترميمات وما آلت إليه في الوقت الحاضر.
رواق أو مسجد عمران بن شاهين
يقع رواق أو مسجد عمران في الجهة الشمالية من السور الخارجي للصحن الشريف، وإن الجزء المتبقي من الرواق الذي بناه بن شاهين هو ما يطلق عليه اليوم (مسجد عمران)، والذي أُنشأ في أواسط القرن الرابع الهجري، لذا يمكن اعتباره أقدم مساجد مدينة النجف الأشرف، ويمكننا أن نحدد فترة بناء الرواق فيما بين سنة تولي عضد الدولة الحكم في العراق عام (367هـ)، وبين وفاة عمران عام (369هـ)
ذكر الشيخ جعفر أن عمران بن شاهين في بدء أمره كان من أهل الجامدة (قرية من قرى واسط)، جنا جناية فهرب إلى البطيحة من سلطان الناحية فأقام بين القصب والآجام، واقتصر على ما يصيده من السمك، ثم اضطر إلى معارضة من يسلك البطيحة متلصصاً، وعرف خبره جماعة من صيادي السمك فاجتمعوا إليه مع جماعة من المتلصصة، حتى حمي جانبه من السلطان فلما أشفق من أن يقصد، استأمن أبي القاسم البريدي فقلّده الجامدة بالحماية والأهوار التي في البطائح، فما زال يجمع الرجال إلى أن كثر أصحابه وقوى، فغلب على تلك النواحي وحارب سلطان عصره(عضد الدولة) مراراً وصارت مملكة من الممالك الشيعية، توفي فجأة سنة (369هـ) وجاء بعده ولده حسن بن عمران ثم أبو المعالي بن حسن
وقد ذكر السيد ابن طاووس، عن ابن طحّال قيّم الروضة الحيدرية، أن عمران بن شاهين من أمراء العراق عصى على عضد الدولة، فطلبه طلباً حثيثاً، فهرب منه إلى المشهد(العَلَوي) متخفّياً فرأى أمير المؤمنين(عليه السلام) في منامه، وهو يقول: إن في غد يأتي (فنّاخسرو) إلى ها هنا، فيخرجون من كان في هذا المقام، فتقف أنت ها هنا (وأشار إلى زاوية من القبّة) فإنهم لا يرونك، فسيدخل ويزور ويصلي ويبتهل بالدعاء والقسم بمحمد وآله أن يظفره بك، فادن منه، وقل له: أيها الملك من هذا الذي ألححت بالقسم بمحمد وآله أن يظفرك الله به؟ فسيقول: رجل شقّ عصاي ونازعني في ملكي وسلطاني، فقل له: ما لمن يظفرك به؟ فيقول: إن حتم علَيَّ بالعفو عنه عفوت عنه، فاعلمه بنفسك، فإنك تجد منه ما تريد، فكان كما قال له، فقال له: أنا عمران بن شاهين، قال: من أوقفك ها هنا؟ قال له: هذا مولانا قال في منامي: غداً يحضر (فنّاخسروا) إلى ها هنا، وأعاد عليه القول، فقال له: بحقه قال لك: (فنّاخسرو)!، قلت: إي وحقه، فقال عضد الدولة: ما عرف أحد أن أسمي (فنّاخسروا) إلاّ أمي والقابلة وأنا، ثم خلع عليه خلعة الوزارة، وطلع من بين يديه إلى الكوفة، وكان عمران بن شاهين قد نذر عليه أنه متى عفا عنه عضد الدولة، أتى زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) حافياً حاسراً، فلما جنّه الليل، خرج من الكوفة وحده، فرأى جدي علي بن طحال مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يقول: اقعد، افتح لوليي عمران بن شاهين الباب، فقعد وفتح الباب، وإذا بالشيخ قد أقبل، فلما وصل، قال: بسم الله مولانا، فقال: ومن أنا؟، فقال: عمران بن شاهين، قال: لست بعمران بن شاهين، فقال: بلى، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتاني في منامي، وقال لي: افتح لوليي عمران بن شاهين، قال له: بحقه هو قال لك؟، قال: أي وحقه هو قال لي، فوقع على العتبة يقبلها، وأحاله على ضامن السمك بستين ديناراً، وكانت له زوارق تعمل في الماء في صيد السمك
هذا وقد اشار الشيخ جعفر وكذلك سعاد ماهر عن تجارب الأمم لمسكويه أن عمران بنى الرواق وفاءاً لنذر نذره إن عفا عنه السلطان.
وقد ناقش الشيخ جعفر ما قيل في (آثار الشيعة الإمامية) الجزء الثالث صفحة (128) من ان ما بناه عمران بن شاهين كان مسجداً فقال: (مسجد عمران لم يُعْلَم قبل أنه كان مسجداً، بل المشهور والمسطور أنه بنى رواقاً، فعلى هذا هو من جملة أروقة الحرم العَلَوي ولا ريب في جواز الدفن فيه، وغير بعيد أنه بعد انفصاله عن الحرم العَلَوي رتّبت عليه آثار المسجدية، والآثار الموجودة كما يزعم إنما حدثت وقت انفصاله)
يقع بابه اليوم في مدخل باب الشيخ الطوسي(الذي توسّع وأخذ جزءاً من رواق عمران في عام (1369هـ))، وهناك صخرة قديمة(جئنا على ذكرها بالتفصيل في موضوع باب الشيخ الطوسي) نصبت فوق الباب تعود إلى عام (776هـ)، يبدو أنها لأحد المقابر في هذه المنطقة، ونصبت في موقعها الحالي بسبب توسيع ممر باب الطوسي، فقد جاء في أعيان الشيعة (توجد صخرة على باب رواق عمران بن شاهين عليها كتابة مؤرخة في شهر صفر سنة (776هـ)، ويظهر إنها كانت على مقبرة، وأن هناك قبوراً ثلاثة: قبر الأمير نجيب الدين أحمد، وقبر محمود بن أحمد المهابادي، وقبر المرحومة سعيدة، وأن هذه الصخرة كانت موضوعة على بُنْية خاصة بهم، ثم دخلت تلك البنية في عمارة الصحن الشريف، فوضعت الصخرة هناك تذكاراً لهم)، وذكر الشيخ محمد حرز الدين في معارفه حينما تعرّض لترجمة السيد كاظم اليزدي (قدس سره)، ما معناه أن للمسجد باباً آخر في الصحن الشريف، اندثر بعد أن دُفن آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي(قدس سره)، أقول لاحظت أثرها وهي واضحة بالنسبة للداخل إلى المسجد.
وخلال عدة قرون سابقة(منذ القرن الرابع الهجري) طرأت عدة إصلاحات على رواق عمران، فقد هُدم جزء منه وأُدخل إلى الصحن الشريف عند مجيء الشاه عباس الأول للنجف، إذ كان مفصولاً بخطوات قليلة عن الرواق الموجود اليوم، ثم جاء الشاه صفي الصفوي فقام بهدم الدور المجاورة للحرم العَلَوي من الجهة الشرقية والجنوبية وضمها إلى الصحن الشريف، فكانت العمارة الموجودة اليوم التي توسعت من الجهات الثلاثة الشمالية والشرقية والجنوبية.
وفي هذا الجانب أشار الشيخ جعفر أنه (يبعد كل البعد أن تكون هذه العمارة والدلائل القرآنية هي من آثار عمران، بل نقطع بعدم بقاء عمارة عمران)، بينما أشار السيد عبد المطلب الخرسان(أن لا دليل على عدم بقاء عمارة رواق عمران، لعدم وجود ما يشير إلى هدم الرواق وإعادة بناءه، والدلائل القرآنية التي ذكرها(الشيخ جعفر) ربما كانت من الإضافات التي حصلت من جراء الإصلاحات والترميمات، وقد اختفت اليوم، فلا يوجد لها أثر، وبقي هيكل البناء الذي يدل على قدم عمارته)
ولكن سعاد ماهر في دراستها أشارت إلى أنه وبفحص عمارة المسجد ومبانيه، تبين لها أنه يرجع إلى نفس طراز الإيوانات والسور الخارجي، سواء من حيث مواد البناء كالأحجار وغيرها، أم من ناحية العقود والفتحات، هذا بالإضافة إلى أنه لا يوجد (لحام) وصل مستحدث، مما يستدل منه أن مباني المسجد حدثت في نفس وقت بناء الإيوانات والجدران الجانبية، وعلى ذلك يمكن القول أن رواق عمران بن شاهين حُوّل إلى مسجد في القرن العاشر الهجري على أقل تقدير، أي في العصر الصفوي
وهذا ما نؤكده، حيث إن عمران -حسبما ذكرت المصادر- بنى رواقاً، وقد دفن فيه بعض العلماء كما في أروقة الصحن الشريف، ثم حُوّل إلى مسجد حين اقتطعت منه أجزاء أضيفت إلى الصحن الشريف.
تبلغ مساحة المسجد اليوم حوالي( 215متر مربع)، ترتفع من أرضيته أربعة أقواس كبيرة متجاورة ومتقابلة، تحيط عند السقف بقبة صغيرة ذات نوافذ للتهوية والإضاءة عددها 12 نافذة، وهذه الاقواس تحصر من ارض المسجد ما يشبه الغرف الصغيرة وعددها اربعة، في احداها توجد مقبرة العلامة اليزدي(قد) وهي عند الجهة الجنوبية الغربية من المسجد.
وضمن مشاريع العتبة العَلَوية المقدسة مشروع إعادة تأهيله وترميمه، وقد تمت المباشرة في بداية شهر ذي القعدة 1428هـ - تشرين الثاني 2007م بالعمل على تدعيم أسس المسجد بصبات كونكريتية في محيط جدرانه، مضافا إلى تدعيم الجدران والسقوف بهياكل حديدية محكمة، ولا يزال العمل مستمرا ليصار إلى افتتاحه لزوار أمير المؤمنين(عليه السلام)
مسجد الرأس
في الجهة الغربية من الصحن الحيدري الشريف يقع مسجد الرأس، والمشهور أن تسميته بهذا الاسم بسبب كونه قد بُني إلى جانب رأس الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، ويعود تاريخ بنائه إلى عهد الإيلخانيين كما يقول صاحب(الأماكن المقدسة في العالم)، وذكر الشيخ محمد حرز الدين أن (باني مسجد الرأس غازان بن هولاكو خان694-703هـ / 1295- 1304م) أقام لبنائه سنة كاملة، ضارباً خيامه بين النجف ومسجد الحنانة في الثويّة، فيما نسبه البراقي إلى الشاه عباس الأول الصفوي
إن المبنى الحالي للمسجد جدد عدة مرات، فقد جدد في عهد الشاه عباس الأول وجدد في عهد السلطان نادر شاه وهو التجديد الأخير، حيث بذلت رضية سلطان بيكم بنت الخاقان المبرور شاه حسين عشرين ألف نادري لعمارة مسجد الجامع الذي في جانب الرأس الشريف
وقد رُمم الجامع في عهد السلطان عبد الحميد، وطُليت جدرانه الداخلية بالطلاءات، وصُنع له منبر من الرخام الأبيض الصقيل، وذلك في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة عام(1306هـ)، وكان هذا المسجد يختص في العهد العثماني بأهل السنة فكانوا يقيمون الجماعة فيه في الجمعة والعيدين فقط، وعندما انتهى الحكم العثماني بقي المسجد معطلاً مدة غير يسيرة، حتى فتح بابه وصلى فيه العلامة النائيني(قدس سره)، وقد سقطت بعض اسطواناته فيما بعد، فعزمت الحكومة على عمارته وإصلاح أساسه
يوجد في المسجد صخرة قديمة هي محراب المسجد مكتوب عليها بحروف بارزة يقال أن لها شأناً في الطلسمات، ويُذكَر أنه تم توثيقها وتصويرها سنة(1937م) من قبل دائرة الآثار، ومرة أخرى في سنة(1965م)
ومحراب جامع الرأس من القاشان وله بريق معدني، وعليه زخارف نباتية وكتابات بارزة، ويتكون المحراب من ثلاث قطع، العُلوية تقع في أعلى المحراب على هيئة رأس مقبب مزخرفة بالزخرفة النباتية البارزة باللون الأزرق
أما البلاطتين الأخريتين اللتين تمثلان قاعدة المحراب والجزء الأوسط منه، فقد بلغ طول الصخرة الوسطية(63) سم، أما التي تحتها فكانت(60) سم، فيما بلغ عرض كل منهما(46) سم، ويتدلى من العقد في وسط هاتين القطعتين شكل على هيئة مشكاة، وقد نقشت الكتابة بالحروف البارزة منها بالخط الكوفي، فيما طوقت المحراب آيات كريمة من سورة البقرة بخط الثلث وهي: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ )، ثم أكملت الآية في وسط المحراب داخل ساحة العقد وهي: (وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(
وقد أضيفت مساحة المسجد إلى منطقة التوسعة كرواق للحرم العَلَوي المطهر ضمن مشروع كبير سنأتي على ذكره بالتفصيل في موضوع(منطقة التوسعة)، حيث تصل مساحة المشروع إلى حوالي (1200)م2 ويتسع لحوالي 2000 مصلي، وقد تمت المباشرة بتنفيذ المشروع في(11 ربيع الأول عام 1426هـ الموافق 20/4/2005م)، والعمل مستمر حتى يومنا هذا، على انه سوف يتم الإشارة إلى كافة المقابر الموجودة في المنطقة على المرمر الذي سيغلف أرضية المنطقة، وإعادة المعالم التاريخية كلها والمحاريب التي كانت موجودة ضمن الرواق الجديد .
مقام الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
يقع هذا المقام خارج عمارة الروضة الحيدرية في الجهة الغربية وعلى يمين الخارج من الصحن الشريف من باب الفرج، ولم يبق منه أثر، وأدخل ضمن مشروع التوسعة الكبير الذي سنذكره لاحقاً، حيث سيشار إليه وإلى محرابه ضمن البناء الجديد لقِدمه وخصوصيته.
ذكر الباحث والمحقق الشيخ عبد الرزاق حرز الدين نجل المغفور له الشيخ محمد حرز الدين عن المقام فقال: (قال شيخنا البحّاثة الحجّة محمد حرز الدين: يقع هذا المقام جنب جدار الصحن الغروي الغربي، على يسار الداخل إلى الصحن من الباب السلطاني(باب الفرج) الذي فُتح باسم السلطان ناصر الدين شاه سنة(1287هـ)، وأدركنا بناء المقام فكان عبارة عن غرفة قديمة البناء كالصفّة فوقها قبّة بيضاء بُنيَت بالجص والآجر القديم، طولها ثلاثون قدماً وعرضها كذلك، ... وكان الأخيار والزوّار يصلّون فيه ركعتين، وروي أنّ السيّد حسين المقرّم النجفي كان يصلّي فيه جماعة، وسمعت أيضاً أنّ الميرزا محمد بن عبد النبي بن عبد الصانع النيشابوري الهندي الأكبر آبادي المشهور بالاخباري(المقتول سنة (1232هـ)) صلّى فيه جماعة، وللمقام دار وقْف سكنها العالم الجليل الشيخ محمد مهدي الفتوني. وفي زماننا أخرجوا من هذه الدار عدّة دكاكين حيث صارت في قلب السوق الجديد.
وأَضاف: قال والدي المغفور له الشيخ محمد حسين حرز الدين: وفي منتصف القرن الرابع عشر للهجرة لم يكن لهذا المقام عيناً ولا أثراً سوى أنّنا أدركنا دكّاناً كبيراً عميقاً في الزاوية جنب الدعامة اليسرى للداخل من باب الفَرَج، يعلو عن أرضيّة باب الصحن حدود المتر، تحته سرداب بعمق مترين، بابه من مقدم الدكّان، كانت اللهجة السائدة عند النجفيين أن هذا السرداب هو مقام الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد كنت أسعى كثيراً للاطلاع عليه ومشاهدته عن قرب حتى وفّقت يوماً بأخذ الإذن من صاحب الدكان الذي كان يتولى أمره، وقد جعل من السرداب مخزناً للخضروات الصيفية، فإذا السرداب معبّدة أرضه وجدرانه إلى السقف ببلاطات من القاشاني الأزرق المزركش الأثري القديم، فتبيّن لي حينها أن الشهرة الطائرة بين النجفيين كانت عن عيان ومصدر تاريخي، مع ما حدّثني به أحد أعلام العلماء المعمّرين المعروفين بالضبط والتثبّت في الرواية ووصف الآثار التاريخية، عن أحد أساتذته في النجف الأشرف أنه رأى في هذا المقام صخرة من المرمر مثبتة في إحدى جدرانه الجنوبية منقوش عليها بالحفر صورة رجل أعرابي متنكّر يرتدي عِمّة عربية راكباً ناقة، وهي صورة رمزية للإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) حينما جاء زائراً قبر جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام). وحدّثني أن الصخرة المومى إليها فُقدت من المقام هذا عندما تداعى بناؤه قبل تحويله إلى دكان.
وفي سنة (1368هـ) هُدِم ذلك الدكان وما حوله لفتح الشارع العام المحيط بالصحن الشريف، وأعيد بمكانه دكاكين جديدة، وبعد حدود ستة عشر عاماً هُدِمت هذه الدكاكين وأصبحت ساحة معبدة)
إيوان الميزاب الذهبي
يطل هذا الإيوان على الصحن الشريف من الضلع الجنوبي لسور الحرم، وهو يقابل الإيوان الكبير لمقبرة السيد محمد سعيد الحبوبي(قدس سره)، كما انه يناظر إيوان العلماء المتقدم في الشكل والحجم تقريبا، إلا انه يفترق عنه بعدة أمور نذكرها كالآتي:
على الجبهة الوسطى من الإيوان كتب:
(قال الله تبارك سبحانه وتعالى إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ. وقال عز اسمه وتبارك وتعالى ذكره إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله النبي الكريم)
ويحيط بهذه الآيات الكريمة قصيدة شعرية لـ(قوام الدين) مؤرخة سنة(1157هـ) بخط (كمال الدين حسين كلستانه) جاء فيها :
صلّ يا ربِ على شمس الضحى *** أحمدَ المختارَ نورَ الثّقَليـــــن
وعلى نجم العُلى بدرِ الُدجى *** مَنْ عليهِ الشمسُ رُدّتْ مرتـين
وبسيفين ورُمحيــن غـزا *** ولـــه الفتحُ (ببدرٍ و حُنيـن)
وعلى الزهراءِ مشكاةِ الضيــا *** كوكبِ العِصْمةِ أُمُّ الحَسَنـين
وشهيديــــن سعيديــن همــا *** آدمُ الآل (علي بن الحسين)
وعلى مصباحِ محرابِ الدعـــا *** للرسولِ المجتبى قرةُ عيــــــــن
وعلى الباقرِ مقباسِ الهـــــدى *** وعلى الصادقِ حقاً دونَ مـين
وعلى الكاظمِ موسى والرضــا *** شمسِ طوسٍ وضياءِ الخافقيـن
وأبي جعفر الثاني محمد التقى *** مطلعِ الجودِ سراجِ الحرمــين
وعلى الهادي علي والـزكــي *** وعلى المهديّ ختمِ المصطفــين
نورُ حقٍّ يقتدي عيســـى به *** عَجَّلّ الله طلوع النيرَيــــن
هم أزاهيرٌ بهم فــــاح الثنــا *** هم رياحينُ رياضِ الجنتيــن
نظمَ العبدُ (قــــوام) لهم *** صلواتٌ لمعتْ كالفرقديـــن
يطلبُ الجنةَ مِنْ رضوانـهم *** لا يساويهِا بِتبْرٍ ولُجَــــــيْن
هم كرامٌ لمْ يخب قاصدُهُــم *** هم مرام للورى في النشأتيـْــن
سرّهُ اللهُ بآل المصطــفـى *** والمحبينَ لهم والأبويـــــــــن
كما أن الآيات المكتوبة في إيوان العلماء من سورة الرحمن هي غيرها في إيوان ميزاب الذهب وان كانت من نفس السورة المباركة أيضا وفي نفس الموقع المذكور في ايوان العلماء.
وفوق عقد الإيوان يوجد ميزاب ذهبي يبلغ طوله(110)سم وعرضه(14)سم، وهو المحل الوحيد لتصريف مياه الأمطار وغيرها التي تتجمع على سطح أروقة الحرم العَلَوي، وترى الزوار حين سقوط المياه من الميزاب الذهبي يجتمعون تحته لجمعها والتبرك بها باعتباره امتزج بغبار القبة العَلَوية الطاهرة، كما تجد الكثير من زوار العتبة المقدسة ومن مختلف الجنسيات يتجمعون عند هذه المنطقة من الصحن الشريف ليقفوا تحت الميزاب الذهبي متوسلين بالله تعالى وبعبده ورسوله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وبأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ليتقبل أعمالهم ويقضي حاجاتهم، وذلك بعد أن يصلوا ركعتين قربة لله تعالى، ولم نجد لهذا العمل سنداً أو رواية، لكننا نعلم أن الروضة المطهرة بقعة محل لاستجابة الدعوات وقضاء الحاجات، فبالإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أن إلى جانب كوفان قبراً ما أتاه مكروب فصلى عنده ركعتين أو أربع ركعات إلا نفس الله عنه كربته وقضى حاجته، قلت: قبر الحسين بن علي؟ فقال برأسه: لا، فقلت: فقبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال برأسه نعم
وهناك حديث يتناقله النجفيون من أن الميزاب الذهبي منصوب بشكل يقابل ميزاب الكعبة المشرفة، لم نجد له إثبات في المصادر التاريخية والعلمية، إذ انه عند مراجعة برنامج Google Earth من خلال الانترنت تبين أن ميزاب الكعبة الشريفة يتجه نحو الجهة الشمالية الغربية في حين أن العراق -والنجف الأشرف بالخصوص- يقع في شمال شرق الكعبة المشرّفة، إضافة إلى أن الميزاب الذهبي في الصحن الشريف يتجه نحو الجنوب كما هو معلوم.