ثقافة التطرف..
من المؤسف أن لثقافة التطرف وملازمتها للعنف الذي أنتجها القرن
المنصرم ـ في تأريخنا المعاصرـ باتت تتمدد جغرافياً وذهنياً لمستويات خطرة وجادة
داعية لكل متعقل التأمل فيها، ولن نحتاج في هذه العجالة أن نكشف عن جذورها
الأساسية ومسبباتها التأريخية بقدر تسليط الضوء على رصد تضخم المشكلة عن هوة
الفارق بين (النظرية والتطبيق)، (وانتهاز العوز الاقتصادي)، أو (ضعف الوعي
الثقافي) في المجتمع؛ فاستفحال انحراف بؤر التطرف القاعدة أو الوهابية ـ فلا فرق
بينهماـ .. وغيرها من حركات التكفير، لِتكوْنَ قاعدة من الأفكار الضالة المغذية
للعديد من الضعفاء أو المضللين فكرياً مدعاة للوقوف الجاد من قبل جميع الأطراف
بمختلف الميادين والقطاعات في الأمة الإسلامية..
معلوم إن خطأ الجذر التفكيري وعمقه التاريخي قد وجه وحذر منه القرآن
الكريم بعد أن رصد ذلك بمصطلح (الْمُنَافِقُوْنَ، َلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ
فِي قُلُوبِكُمْ).. وإلى غير ذلك من المصطلحات القرآنية التي تنتظر من رواده
استنباطها وتأسيس الرؤيا القرآنية السليمة.
فجعل (جل جلاله) لهذا الحراك ـ الذي أخذ منحىً أيديولوجياً ينخر جسد
الأمة الإسلامية ـ مكاناً ومنزلة )إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، وأوجب الحذر منه: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ
الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، يعملون
على إثارة الظواهر الصوتية الكاذبة (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)، في حين إن ثقافة
القرآن: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)،
ويرفع شعار: (تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ
نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ)، فشتانَ ما بين المنحيين.. كلمة الله (جَعَلْنَاكُمْ
أُمَّةً وَسَطاً)، وبين آخر وصلَ من التدني أن يُكفر حتى بائع الخضار لأنه قرب
بين الفحولة والأنوثة ـ الخيار والطماطم ـ رغم انعزال السلال.!! وكيف لا وأن جذرها
اليهودي كعب الأحبار، وشجرته آل بنت آكلة الأكباد، أعادت الوهابية فروعها المسرطنة
بصياغة ربيبها كسنجر لتبقى بلاد المسلمين تشوبها روح النزاعات لتغادر دين المحبة
نحو شريعة الغاب.
وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نقف عند أحد نصوص مراجع الدين العظام في
النجف الأشرف، سماحة الشيخ بشير النجفي (دام ظله) وهو في حال تقييمه لحال أمتنا
الإسلامية بقوله: (إن ابرز الأخطار المحدقة بالإسلام اليوم
هي نار الفتنة التي ينفخ فيها بعض الجهلة المحسوبون على مفكري المسلمين وعلمائهم
تساندهم الأيادي الخفية بكل المستلزمات الضرورية من قبل الطوائف المندسة في صفوف
المسلمين).
وأخيراً نقف عند قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل
لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي
قُلُوبِكُمْ)، لنستخرج من خلال ذلك مدى أهمية الإيمان والذي هو خُلاصة التصديق
(القلبي، والروحي، والعقلي أو الفكري) بأن الدين الإسلامي وما جاءت به شريعة سيد
المرسلين (صلى الله عليه وآله) له من القدرة على حل كُل مآزق البشرية، وأن تقهقر
المسلمين اليوم هو نتاج التخلف عن الالتزام التام بامتداد الشريعة وتعاليمها..
نصير الحسناوي