مارس النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) رسالته السماوية عملاً وفعلاً طيلة فترة حياته الشريفة، قبل إفصاحه عن رسالة خالقه والتبليغ بها، حتى بات معروفاً في وسطه بالصادق الأمين، متميزاً بعدالته وحكمته وفطنته ورأفته ورحمته.. فقائمة كماله وخصاله الحميدة المجيدة الطيبة الطاهرة مما لا طاقة لمثلي أن يُعدّها أو أن يحصيها، إذ نُسجت هذه الصفات وتجذرت بشخصه المقدس لتزدان جمالاً وكمالاً ورقيَّاً؛ لأنها قد تشرفت بذاته المقدسة المطهرة، وليكون الكمال أروع وأعظم وأسمى وأطيب وأطهر ما يمكن أن يكون بعد أن تشرف بتلبسه بخاتم وخلاصة الرسالات والنبوات النبي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).
فلم يكن لصفات الكمال كمال، ولصفات الجمال جمالٌ، ولصفات العدالة عدالة بأفضل وأبهى وأعلى صورة إلاّ بعد أن تحلَّى بالذات الأقدس في الوجود حبيبُ الإله.
فببساطة، هو صاحب المعاجز الكبرى، إذ غيّر مجتمعاً ضرب أعلى مراتب التزّمت والتشنج، حاملاً مع طبيعته صفاتٍ جلفة صلبة تصل بالفرد أن يئدَ ابنته وفلذة كبده في التراب لأفكار الشرف الخاطئة علاوة عن الفقر، والذي جعل من مجتمع يشرب الطَرْق ويقتات القِدّ _كما وصفته سيدة الخلق فاطمة بنت محمد (صلوات الله عليهما)/ فالطرق: ما تبول فيه الإبل وتبعر، والقد قطعة سير يُقد من جلد غير مدبوغ_ إلى مجتمعٍ يحمل حضارة ورسالة سماوية عظيمة خاتمة للأديان وعصارة للرسالات، يشارك القارات السبع وكُل بقاع الأرض.. نعم إنها معجزة المعاجز، فكيف لشخص أن يحول القلوب الجلدة إلى قلوب رحيمة: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
وهو الذي أنزل الله عليه كلمات تحدت إلى ما شاء الله كُل الكلمات، ومعطيات لا تدنوها أفكار، ألا وهو القرآن الكريم: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ).
وما كان ذلك ليكون لولا أن كان (صلى الله عليه وآله) هو المؤتمن على أمانات الناس، وهو المبارك أينما حلّ، وهو الذي بحلوله تحل الرحمة والرأفة والوئام، وهو الحكيم الذي لا يعلو رأيه رأي منذ نعومة أظفاره.. فتكلل الوحي الإلهي بعد [مفاهيم سورة العلق: لوحة الترسيخ المعرفي لكل مسلم وإنسان يروم الانسلاخ عن التدني والظلام والتقهقر] بنداء الإله: "السلام عليك يا محمد، السلام عليّك يا وليّ الله، السلام عليك يا رسول الله، أبشر.. فإن الله (عزَّ وجلَّ) قد فضّلك، وجمّلك، وزيّنك، وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأَولين والآخرين".
ومن مظاهر رحمة الله أن جعل من شهره رجب الأصب يوم مبعث نبيه، ويوم مولد وليه الإمام علي (عليه السلام) ببيته.. في فاصلة بينهما بـ(14) يوماً، بعددِ المعصومين (صلوات ربي عليهم)، ولتكن فلسفة الأرقام هذه حاكية عن قوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، ومؤكدة أن نور محمد بن عبد الله (صلوات ربي عليه وعلى آله) متواصلاً مستمراً متكاملاً متسامياً متسقاً إلى يوم أن يسطع كُل نوره بولده الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، وأن يُحقق حُلم الأنبياء، وأن يُجسد سطوة السماء، وكمال الإنسان.
نصير الحسناوي